تأملات في سورة يوسف (متجدد)

تأملات في سورة يوسف
قال ابن عطاء: [لا يسمع سورة يوسف عليه السلام محزون إلا استراح إليها] 
هذه بعض التأملات والوقفات التدبرية التي فتح الله بها علي لهذه السورة العظيمة


{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا}
اتهام الصادق بالباطل لا يغير فكرة الناس عنه وعن صدقه وحسن سيرته، فهو عندهم صادق مُصدّق قولًا وفعلًا وإن غيبه قضبان الظلم!

{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
حتى المجرم يعرف مقاييس الإحسان ويحبها في غيره، وقد يستغلها لصالحه!

{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}
من يحجز نفسه عن معصية، لا يعني أنه ناقص، أو به ما ينافي القوة والقدرة على مقارفتها، لكنها المجاهدة وكبت النفس للوصول للعصمة؛ (فاستعصم)!


{وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ}
التستر بالظلام لإخفاء الانفعالات؛ وسيلة يستخدمها اثنان!
الذي يخشى الله ليخفي دمعته،
والذي يخشى الناس ليخفى جريمته!

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}
ليس كل بكاء دليل صدق،
وكما قيل: ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة!

{وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ }
وبعد سنين:
{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
من جرب تبرير مواقفه المخزية بالكذب؛ اعتاده وصار سمة له مهما طال به العمر!
( ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ }
المؤمن يرى بعين بصيرته لا بعين بصره!
((اتقوا فراسةَ المؤمنِ؛ فإنَّه يرى بنور الله))

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}
قد يهون أمرك ويقل قدرك عند من لم يعرفك،
فاصبر وثق بأن الله سيمكن لك يومًا إن صدقت:
{فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}
الأصل أن يكون جزاء الكرم والإحسان إحسانا، لا جحودا وكفرانا.
ولا يخالف الأصل إلا لئيم!

{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}
النبيل الكريم لا ينسى الفضل والإحسان وإن دعته نفسه لخلافه!

{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}
على قدر إخلاصِكَ؛ يكون خلاصُك!

{قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
حينما يُستخدم الإسقاط كحيلة دفاعية يستغلها ضعفاء النفوس تبرئة لأنفسهم من التهم والعيوب والرغبات المحرمة ليلصقونها بالأبرياء!


{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}
سجن المرء مع براءة ساحته وزوال الريبة عنه، أهمُّ من حرية مشوبة بالشك فيه!


{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}
من أخلص لربه وعفَّ نفسه، استحق ثقة الناس فيه واستئمانهم إياه على أنفسهم!
الجزاء من جنس العمل.

{الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}
سيظهر الحق ويتضح ويتمكن ويستقر، ولو بعد حين، فأبشروا وأمّلوا!


{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}
الواثق في قدرة ربه وكرمه موقن بأن بعد الصبر الجميل فرج يأتي بالمأمول ومثله معه أضعافًا مضاعفة!

{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُم}
ليس في كل الأوقات تكون المصارحة نافعة، بعض المصارحات من المصلحة تأجيلها!

{قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ}
التماس العذر بالجهل لمن أخطأ عليك سيما بعد مرور الأيام ونسيان مرارة الموقف، دلالة على حسن خلقك وكرم نفسك وتأسيك بأنبياء الله.

{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ }
الصادق في توبته لا يروغ ولا يغير المفاهيم ولا يبرر كذبًا؛
قالوا: إنا كنا (خاطئين) ولم يقولوا: (مخطئين)
فالخاطئ: هو من يعلم منطقة الصواب ويتعداها،
أما المخطئ :فهو من لم يذهب إلى الصواب؛ لأنه لا يعرف مكانه أو طريقه إليه.

{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}
محسن الظن بربه، الواثق في كرمه وإحسانه، يشم رائحة الفرج ولو لم ترهُ عيناه!

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}
لوصولك للحقيقة وحل المشكلات؛ أعمل جميع حواسك بكل ما فيها من طاقة، فالمعلومات تنشأ عند البشر من الأمور المحسة، وتدركها الحواس لتصير قضايا عقلية قابلة للحلول.

{وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}
إياك أن تقول بذلت الأسباب وتعبت واجتهدت؛ ولم أجد حلاً،
فالله رحيم كريم، ولا يزال له رحمات تغلب القوانين!
وما يعز عليك بقانونك فلن يعز عن قدرة الله.

{وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}
"الرًوح" هي الرائحة الزكية والنسمة العليلة التي تهب على الإنسان في لحظة فيستروح بها.
هلّا استشعرت تلك النسمات في نفسك فانتعش قلبك ثقة بما عند الله من فرج؟!

{إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}
فقط الذي ييأس؛ هو من ليس له رب ولا معبود بحق، لكن المؤمن الموحد موقن بأن الله يهبه مما فوق الأسباب!

{فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
من يطالع الأقدار بعين الثقة واليقين، سيفوز بالفرج والتمكين!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خيرة الله لك خير من خيرتك لنفسك!

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله