تفريغ الدرس الحادي عشر من شرح أسماء الله الحسنى. (العلي الأعلى المتعال) جل جلاله

الدرس الحادي عشر من شرح أسماء الله الحسنى.
(العلي الأعلى المتعالي)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنيياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
اللهم ﻻ مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت و ﻻ مقرب لما باعدت و ﻻ مباعد لما قربت اللهم لا قابض لما بسطت و لا باسط لما قبضت اللهم أبسط علينا من فيض جودك و حمتك ما أنت له أهل و نسألك اللهم النعيم المقيم الذي ﻻ يحول وﻻ يزول و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله و صحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد..

فبإذن الله تعالى نكمل ما بدأنا به في شرح أسماء الله الحسنى.
 في هذا الدرس بإذن الله سنشرح أسماء الله العلي اﻷعلى المتعال.
العلي المتعال اﻷعلى هذه الثلاث اﻷسماء الحسنى جميعها لها نفس المعنى بحيث أنها كلها تدل على علو الله تعالى.

أما الفرق بين العلي و اﻷعلى و المتعال فهو على النحو التالي: 
العلي سبحانه وتعالى هو: الذي ليس فوقه شيء و هو الذي علا الخلق فقهرهم بقدرته و هو الجليل عظيم الشأن و القدر.
العلي كذلك سبحانه الذي ﻻ رتبة فوق رتبته و جميع المراتب منحطة عنه سبحانه وتعالى كما قال الخطابي رحمه الله.
كذلك العلي يأخذ معنى أنه سبحانه علا أن تلحقه صفات الخلق أو تكيفه أوهامهم.

ورد اسم العلي سبحانه وتعالى في قوله تعالى:( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
أما اﻷعلى فهو الأعلى من كل عال و صفاته أعلى كل الصفات وهو أعلى من أن يقاس به أو يعتبر بغيره.
أعلى من كل عال ،و العلي علا كل شيء فلا رتبة فوق رتبته.
 ورد اسمه اﻷعلى في قوله تعالى: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)
أما المتعال هو الذي جل عن إفك المفترين و تنزه عن وساوس المتحيرين سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) 

إذاً هذه الثلاث اﻷسماء أيها الإخوة كلها تدل على جميع أنواع العلو لله سبحانه وتعالى.
علو الذات، علو القهر و الغلب، علو المكانة و القدر.
أما علو الذات فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه استواء يليق بجلاله و عرشه سبحانه فوق مخلوقاته جميعاً و محيط بها.
و هو سبحانه فوق ذلك العرش العظيم( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ) هذا علو الذات سبحانه وتعالى.

أما علو القهر و الغلب فهو كما قال سبحانه عن نفسه: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚوَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) فلا ينازعه منازع وﻻ يغلبه عالب كل مخلوقاته تحت قهره كل مخلوقاته تحت سلطانه ماشاء الله كان و ما لم يشاء لم يكن.
قهرنا بأقداره قهرنا ببلائه قهرنا بضائه قهرنا بكل ما يقدره علينا سبحانه وتعالى قهرنا بسلطانه سبحانه وتعالى قهرنا بملكه قهرنا بتصرفه و أفعاله سبحانه وتعالى فينا فما شاء الله كان و ما لم يشاء لم يكن .
العلو علو المكانة و القدر و هو الذي أطلق على نفسه فقال: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

المثل الأعلى معناه الصفات الكاملة التي ﻻ يخالطها نقص و ﻻ يشوبها باطل بحال من الأحوال سبحانه وتعالى.
من آثار هذا العلو للعلي اﻷعلى المتعال سبحانه وتعالى و هناك كلام جميل لسيد قطب رحمه الله في معنى هذا العلو قال رحمة الله عليه:
هو سبحانه الذي خلق كل شيء فسواه فأكمل صنعته و بلغ به غاية الكمال الذي يناسبه الذي قدر لكل مخلوق وظيفته و غايته فهداه لما خلقه من أجله و ألهمه غاية وجوده و قدر له ما يصلحه مدة بقائه و هداه إليه جميع اﻷشياء مجتمعة كاملة متناسقة ميسرة لكي تؤدي في ذلك التجمع دورها الجماعي سبحان الل ه.
كذلك هي ميسرة و هي فرادى لكي تؤدي دورها الفردي .
إذاً هذه بعض أثار اسمه العلي أو بعض أثار العلو الذي ذكرها سيد قطب في الظلال في كلام طويل هذا بعضه.

من أثار اﻹيمان بهذا اﻹسم:
 أولاً :إثبات العلو المطلق لله فأهل السنة والجماعة يثبتون العلو المطلق لله سبحانه وتعالى بكل معانيه علو ذات علو قهر علو غلب علو مكانة علو قدر سبحانه العلي دون تعطيل أو تحريف أو تمثيل أو تشبيه.
كذلك أن الله تعالى عال على كل شيء، و هو فوق كل شيء بل هو فوق العرش سبحانه بائن عن خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله هذا الإستواء أيها الإخوة ﻻ يمنع من أن يتنزل سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله كما أخبر بذلك عن نفسه سبحانه وتعالى.
فهو يتنزل إلى السماء الدنيا كما أخبر بذلك على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتنزل ربكم في ثلث الليل اﻵخر إلى السماء الدنيا فينادي هل من داعي فاستجيب له هل من مستغفر فاستغفر له هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه.
 فهذا النزول نزول يليق بجلاله ﻻ يدرك أحد كيفية هذا النزول و ﻻ يرد هذا النزول إﻻ محرف معطل موئل مبتدع.
 فالنزول نزول حقيقي لكنه ﻻ يعلم أحد كيفية هذا النزول لذلك ضل كثير من الناس في هذا الباب و كثير من الطوائف و كثير من الفرق ظلت في الباب و الذي عليه كل مؤمن و عليه أهل السنة والجماعة و عقيدة أهل السنة والجماعة هو إثبات علو الله تعالى على عرشه استواء يليق بجلاله و إثبات تنزل الله كل ليلة في الثلث اﻷخير من الليل نزولاً يليق بجلاله نزولاً يليق بعظمته ﻻ يعلم أحد كيفيته.
 و على المؤمن أن يستغل هذا العلو علو ربه سبحانه وتعالى .
فكون الله تعالى علي بذاته علي بقدرته علي بقهره علي بغلبته علي بمكانته علي بعظمته فهذا فيه إشارة إلى المؤمن بأن يجعل توكله كله على الله سبحانه وتعالى، أن يصدق في توكله على العلي المتعال سبحانه وتعالى فلا غلبة إﻻ بالله و ﻻ نصر إﻻ من الله و ﻻ قهر إﻻ من الله سبحانه وتعالى و ﻻ علو إﻻ لله سبحانه وتعالى.

 و ليس ﻷحد من الخلق درجة من درجات العلو تقارن درجة علو الله سبحانه وتعالى مهما علا الخلق فعلوهم ناقص ليس لهم من العلو من شيء إﻻ ما كتبه و قدره الله لهم و كل مخلوق مهما علا إﻻ يحقره الله سبحانه وتعالى مهما علا في اﻷرض بالذات إن علا بظلم أو علا بقهر أو علا بطغيان و إجرام فﻻ بد أن يحطه الله ﻻ بد أن يحقره الله سبحانه وتعالى فهو العالي على كل شيء سبحانه.
العبد المؤمن ﻻ يتصور أن يكون عليا أبداً إﻻ العلو المعنوي الذي هو علو في درجات الدنيا هذا العلو علو في تفكيره المرتبط بعقيدته السليمة و إيمانه بالله سبحانه وتعالى علو في طلب العلم علو في الارتقاء بالنفس في تزكية النفس إن الله يحب معالي اﻷمور و يكره سفسافها.
العبد المؤمن ﻻ ينظر إلا إلى معالي اﻷمور ﻻ يترقى إﻻ فيما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى ﻻ يفكر إﻻ فيما يرفع مكانته عند الله سبحانه وتعالى.

 يريد العلو اﻹنسان بطبعه و فطرته يحب العلو و هذه الفطرة السليمة.
 أصحاب الفطرة السليمة يحبون علو المكانة و علو القدر و الفكر و النفس و القلب و هذه المعاني الجميلة في العلو ﻻ تكون إﻻ لمن صحت عقيدته و صح توحيده فلا يريد علو في القدر ﻷنه يريد أن يتعالى على الخلق ﻻ بل هو يريد العلو ﻷنه يريد أن يكون قريب من هؤلاء المخلوقين و من هؤلاء الناس و هو يريد العلو في مراتب العلم حتى يعلم الناس حتى ينشر العلم حتى ينشر الدعوة إلى الله حتى و لو كان علم من علوم الدنيا فهو يريد أن يتعالى أو يتعلى أو يعلو بمعنى أصح أن يعلو في هذه المراتب حتى العلم الدنيوي حتى يفيد المجتمع حتى يكون فاعلاً في مجتمعه.
المؤمن ﻻ يريد العلو لكي يتكبر على الخلق ﻻ يريد العلو لكي يرتفع على العباد بل هو دائماً متعال بنفسه عن الرذائل عن القبائح عن الذنوب و المعاصي.

المؤمن يرتقي بنفسه عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى يرتفع بنفسه و يعلو بنفسه عن كل ما يغضب ربه سبحانه وتعالى مقتديا في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحب معالي اﻷمور لماذا يحب معالي اﻷمور؟ 
ﻷنه العلي اﻷعلى المتعال .
يحب معالي اﻷمور و يكره سفسافها.
فكن صاحب همة كن صاحب علو في طلب درجات الدنيا والآخرة كن صاحب همة فيما تهتم به فيما تطلبه في اهتماماتك في طلبك في علمك في تفكيرك في أفعالك في تصرفاتك علو هذا العلو الذي تطلبه علو يقربك من الله سبحانه وتعالى ﻻ يباعدك عنه بل يقربك و يرفع مكانتك عند رب العالمين العلي اﻷعلى سبحانه وتعالى.

قد يتصور أحد أنه عنده من العلم و أنه عالم ﻻ يشق ... في أي فن من الفنون أنا صاحب علم في التخصص الفلاني سواء ديني أو دنيوي فيظن أنه ليس مثله أحد في هذا العلم أو في هذا الفن و الصحيح أنه يوجد من هو أكثر منه علما و أكقر منه معرفة في هذا الفن.
لذلك مهما علا اﻹنسان في مرتبة من مراتب الدنيا أو في علم من العلوم سواء من العلوم الدينية أو العلوم الدنيوية فليعلم و ليكن على يقين أنه فوق كل ذي علم عليم كما قال سبحانه في سورة يوسف( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) لذلك على المؤمن أن يتواضع لله فلا يكون في نفسه داعي الكبر و النخوة و الاستعلاء على الناس و إنما يشعر بضالته أمام أثار أسم الله تعالى العلي اﻷعلى.
فهو مهما علا فهناك من هو أعلى منه.

المؤمن الصالح طيب القلب و المعشر و الفكر و النية و الهمة هذا مهما علا فالله أعلى منه وهناك من هو أعلى منه.
و المتكبر و المتغطرس و الفاجر و المجرم و الظالم و الطاغية مهما علا فليعلم أيضاً أن هناك من هو أعلى منه و مهما قهر العباد و مهما غلبهم فهناك من يقهره و من يغلبه و من سينتقم منه و من سيقتص منه لعباده المستضعفين.
إذاً فلله سبحانه وتعالى أنواع العلو كلها علو الذات و القهر و الغلب و المكانة و القدر.

هذا و الله أعلم و أسال الله سبحانه وتعالى أن يرفعنا عنده و يرفع مكانتنا و يرزقنا من الفهم عنه و عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما نبلغ به منازل النبيين و نحشر به في زمرة العلماء العاملين اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها اللهم آت نفوسنا تقواها و زكها أنت خير من زكاها أنت وليها و مولاها سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على محمد و صحبه أجمعين..


تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها



إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله