الدرس الرابع والعشرون من شرح أسماء الله الحسنى: اسم الله((الجبار))

الدرس الرابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى
اسم الله((الجبار))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد اﻷنبياء و أفضل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.
و بعد.
نشرح بإذن الله تعالى اسم الله سبحانه جل في علاه الجبار.
من أعظم اﻷسماء و من أجلها و أبهاها و أكملها و أجملها اسمه الجبار سبحانه وتعالى.
الجبار ورد في قوله تعالى مرة واحدة في القرآن:
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)
الجبار سبحانه في اللغة هو العظيم القوي الطويل ذو الطول سبحانه وتعالى كما قال سبحانه:
( إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) 
أراد بذلك سبحانه أنهم أصحاب قوة و عظمة و طول هذا في حق المخلوق أو عموماً المعنى اللغوي في هذا اﻹسم.
كذلك يستخدم لفظ الجبروت بمعنى الكبرياء و منه قوله تعالى:
( وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)
 أي لم يجعلني متكبرا على عبادة الله سبحانه وتعالى.

الجبروت له عدة معان:
المعنى اﻷول: 
أنه القاهر لكل شيء الذي دان له كل شيء و خضع له كل شيء فهو الذي ينفذ مشيئته على سبيل اﻹجبار في كل واحد و ﻻ تنفذ فيه مشيئة أحد سبحانه.
الذي ﻻ يخرج أحد عن قبضته و تقصر اﻷيدي دون حمى حضرته فالجبار المطلق هو الله سبحانه وتعالى.
بجبروته سبحانه دانت له الخلائق فأمره الكوني يكون اﻷشياء على ما أراد؛ إذا أراد أمراً قال له كن فيكون.
استسلمت له السماوات استسلمت له الأرض و مافيها و السماوات و ما فيها و ما بينهما:
( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) 
له اﻹجبار في أمره الكوني و في أمره القدري و في أمره الشرعي.

أما في أمره الشرعي فقد شرع للخلق ما رضيه لهم سبحانه: 
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)

شرع لهم هذا الدين بما رضيه لهم و لم يجبرهم على فعله سبحانه بل أمرهم و نهاهم فمن أطاعه و قبل هذا الشرع فله الجنة و من أبى و عصى و أعرض فله النار:
( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)
كما أنه سبحانه القهار الذي يجبر الخلق على ما يريد يحملهم على ما أراد من أمور تقتضيها الحكمة اﻹلهية فكل أمر يكون للعبد و يحصل للعبد إنما هو بحكمة إلهية أجبر الخلق كلهم على أشياء لا انفكاك لهم منها و لكن بحسب ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى.

أكرههم على الموت أكرههم على البعث على النشور سخر كل شيء منهم و كل شيء لهم لحكمة سخرهم لحكمة و سخر لهم اﻷشياء لحكمة و الناس بين هذه الحكمة و بين هذا القضاء و القدر بين راض و بين ساخط و لكن مهما رضي العبد و مهما كره و مهما سخط و مهما رفض قضاء الله سبحانه وتعالى و إن كان مقهورا بهذا القضاء و مجبورا عليه إلا أن في ذلك له الخير العظيم كما قال سبحانه:
(نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) 

فإن أعطاك الله فهذا لحكمة و إن منعك فهو لحكمة و على كل حال يجب أن يكون العبد راضياً بقضاء الله وقدره ﻷنه يعلم أنه ما من قضاء و ﻻ قدر و ﻻ أمر جرى في هذا الكون و يجري إﻻ هو بحكمة من الله سبحانه وتعالى في علاه.

المعنى الثاني من معاني اسمه الجبار:
هو المصلح ﻷمور الخلق و المظهر لهم الدين الحق و الميسر لكل عسير الجابر لكل كسير يغني الفقير يجبر الضعيف ينصر المظلوم يجبر جبرا خالصاً لمن؟
لقلوب الخاضعين لعظمته و جلاله و قلوب المحبين له بما يفيض عليها من أنواع الكرامات و المعارف و اﻷحوال اﻹيمانية و بقدر رضا العبد بما قسم الله له و ما كتبه له بقدر ما يجبره الله بقدر ما يجبر كسره الله بقدر ما يغني فقره الله بقدر ما يجبر ضعفه الله الجبار سبحانه وتعالى.

يقول الخطابي رحمه الله:
الجبار هو الذي جبر الخلق من أمره و نهيه و جبرهم سبحانه وتعالى جبرا خالصاً لقلوب أولياءه و أحباؤه أو كما قال الخطابي:
الجبار سبحانه وتعالى في هذا و في صفة هذا اﻹسم صفة جمال صفة جلال إذ أنه سبحانه وتعالى يجبر الكسر و في نفس الوقت له الجبروت أي العظمة و الجلال و القوة و القدرة.
يقول ابن القيم في نونيته في باب معنى اسمه الجبار

و كذلك الجبار من أوصافه و الجبر في أوصافه قسمان:
جبر الضعيف و كل قلب قد غدا ذا كسرة فالجبر منه داني
و الثاني جبر القهر بالعز الذي ﻻ ينبغي لسواه من إنسان و له مسمى ثالث و هو العلو فليس يدنو منه من إنسان من قولهم جبارة بالنخلة العليا التي فاتت لكل بيان.
هذا بالنسبة لما ذكره ابن القيم في معنى إسم الله الجبار سبحانه.

مااﻵثر اﻹيماني الذي يعود على العبد من معرفة هذا اﻹسم؟
أول درس أن تعلو همة العبد فالله سبحانه وتعالى طالما هو الجبار الذي له العلو على خلقه علو الذات علو القدر علو القهر علو الجبر فلا يدنو منه الخلق إﻻ بأمره لذلك لكي تصل إليه أنت أيها العبد الكسير أيها العبد الذليل عليك الترقي  بعلو الهمة و قد تكلم أهل العلم في علو الهمة في طالب اﻵخرة لا طالب الدنيا.
عالي الهمة يطلب اﻵخرة ﻻ يطلب الدنيا
و قد يصل بعمل الدنيا إلى طلب اﻵخرة.

لذلك مهما حصل اﻹنسان على شهادات من علم دنيوي و لكنها لا تخدم دين الله و لا تخدم المجتمع ولا يحتسب فيها اﻷجر عند الله فلا يسمى هذا عالي الهمة قد يسمى نشيط مجتهد لكن علو الهمة ﻻ يطلق إﻻ على إنسان أراد بأعماله كلها إلا وجه الله و الدار الآخرة ؛فإذا ارتفعت همتك و ارتقت و تعلقت بالله عز وجل علوت و ارتقيت و صارت الدنيا كلها عندك سفاسف فتعلو عنها و عن شهواتها و ملذاتها  كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي حسنه اﻷلباني إن الله يحب معالي اﻷمور و يكره سفاسفها.
إذاً:
من علم أن له رب جبار اطمأن لقضاء الله اطمأن لقدر الله فلا يحزن على فائت و ﻻ يفرح بآت ﻷن ما فاته من أمر الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى عنده العوض الكثير و الكبير لكن هناك شرط مهم حتى يجبر الله كسرك أن يكون هذا الكسر الذي في قلبك إنما كان خضوعا لعظمة الله وجلال الله.

أن يكون هذا الكسر الذي في قلبك و إن كان من مخلوق قد يكسر قلبك مخلوق بظلمه بتعديه عليك بتطاوله عليك بأخذه حقك لكن قلبك ينكسر بين يدي الله سبحانه وتعالى و تناجيه باسمه الجبار أن يا جبار اجبر كسري؛ فخضوعك لله و إنكسارك بين يدي الله يكون سبباً في أن يجبر الله كسرك.
قد تكسرنا الدنيا و تكسر قلوبنا بفقد حبيب بموت عزيز بفقر بمرض بفاقة بأي بلاء من ابتلاءات الدنيا بأي شدة من شدائد الدنيا كل هذه اﻷمور التي تمر علينا قد تكون سبباً لكسر قلوبنا لكن من الذي يجبرها؟ الجبار.
لذلك أيها الكسير أيها الذليل أيها الضعيف أيها المريض أيها المقهور أيها المظلوم ناجي ربك باسمه الجبار حتى يجبر كسرك و يجبر ما أنت فيه.
الجبار سبحانه وتعالى الذي إذا أراد أمراً قال له كن فيكون هو قادر على أن يجبر كسرك في لحظة واحدة و قد يتصور العبد أن جبر الكسر الذي هو فيه إنما بأمر و بأمنية هو يرى هذا العبد أن المصلحة فيه و هذا من الجهل ﻷني قد أرى أنا و أنت أن جبر كسري في أمر من الأمور التي أحبها و أريدها لكن ﻻ أعلم أن الجبر يأتي أعلى و أعلم مما أتخيله أنا و أنت مما أتصوره أنا و أنت و الله سبحانه وتعالى عطاياه مدهشة .
الله سبحانه وتعالى حتى يدهشك حينما تقابل من عطايا الله سبحانه وتعالى و جبره و فضله و إحسانه ما تعجز عن التعبير عن شكر هذه النعم و شكر هذه العطاءات منه سبحانه وتعالى.
لذلك على المؤمن دائماً أن يردد في نفسه أن الله على كل شيء قدير و أن يردد في نفسه أن شأنه كله يدور على كن من الله فيكون؛ فإذا مرض أو فقر أو ابتلي بأي بلاء فإن فرجه مع كن.
كن من الله حينما يقول كن فيكون فلا راد لقضائه و ﻻ راد لقدره سبحانه لذلك كن مع الله تعلق بالله اخضع لله ﻻ تذل إﻻ لله ﻻ تنكسر إﻻ لله ﻻ تخضع إﻻ لله فإن كنت كذلك و نظر الله إلى قلبك فوجدت فيه الاستكانة له و وجد الذل له و الخضوع له فو الله لن يضيعك الله و سيجبر كسرك و يعطيك و يفرج همك سبحانه وتعالى.
كذلك من الدروس التي يتعلمها العبد من اسمه الجبار:
حينما يعلم العبد أن من معاني اسمه الجبار جبر خلقه على ما يشاء من أوامر و نواهي فإذاً هنا يسلم لشرع الله يرتضي بشرع الله يتبع ما أمر الله و ينتهي عما نهى الله سبحانه وتعالى عنه.
كذلك إذا علم العبد أن من معاني اسمه الجبار أي الكبرياء و العز و العلو و قد استأثر بالعلو و الكبرياء و العز لنفسه فهو قاهر الجبابرة ﻻ يسئل عما يفعل و هم يسألون.
إذا آمن العبد بهذا فإذاً عليه أن ﻻ يتكبر و أن ﻻ يتجبر و ليعلم حقيقة نفسه أنا و أنت عباد ضعفاء يأسرنا الجوع و تقهرنا اﻷقدار و اﻷسقام فعلام نتكبر و علام نترفع فإيمان العبد بأن ربه الجبار من معاني اسمه الكبرياء و العزة و الجبروت فلا يتكبر على الخلق و أن يكون في غاية التواضع ﻻ يطغى على العباد ﻻ يؤذيهم ﻻ يظلمهم ﻷنه عليه أن يعلم و أن يؤمن أن هناك جبار سبحانه هو أعلى منه و أعظم منه و أعز منه سبحانه وتعالى و لو شاء ﻷخذه في لحظة.
كذلك من اﻵثار التي يجب أن تكون في قلب العبد ظاهرة على جوارحه مؤمن بها قلبه أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى ﻷنه الجبار القادر القدير المقتدر فهو قادرعلى قصم الجبابرة كل جبار في اﻷرض لن يعلو جبروته على الجبار:
( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ،، مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ،، يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)
فهذا العبد يعلم أن الله سينتقم من هذا الجبار مهما تعالى الجبابرة مهما تعاظموا مهما طغو مهما أجرموا مهما تطاولوا في إجرامهم و الله سيقصمهم الله الجبار سبحانه وتعالى.
الجبار يقول فيه محمد صلى الله عليه وسلم في الصحيحين تكون اﻷرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يكفو أحدكم خبزته في السفر نزلا ﻷهل الجنة.
ما معنى يتكفأها الجبار بيده؟
أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع و تستوي.
تخيل هذا المعنى و لكن ﻻ تتصور كيف سيكون أو كيف صورة هذا التكفؤ أو كيف هي يد الرحمن أو كيف يتكفؤ الخبزة هذا الكيف ﻻ نعلمه نحن لكن نؤمن به.
لكن لماذا النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الجبار في هذا الحديث؟
ﻷن في ذلك دلالة على قهره يوم القيامة يقول لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فيتناسب هذا مع المقام الذي هو مقام العزة و الجبروت.
الدعاء باسمه الجبار.
من دعاء الطلب و المسأله الدعاء بهذا الإسم.
فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
حينما علم ذلك اﻷعرابي اللهم اغفر لي و ارحمني و اجبرني و اهدني و عافني وارزقني.
و أيضاً في الحديث الذي رواه عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت و الملكوت و الكبرياء و العظمة ﻷن المقام هنا مقام ذل لله سبحانه وتعالى و افتقار.
افتقر إلى الله تذلل إلى الله تقرب إلى الله أسأل الله تقرب إليه باسمه الجبار سله أن يجبر كسرك سله أن يجبر قلبك فإن جبرك الجبار فو الله أنت لست بحاجة إلى أحد من الخلق أبداً.
إذا سترك و جبرك الجبار فو الله أنت لست بحاجة إلى أحد من الخلق يجبر كسرك يغنيك يشفي مرضك يشفي سقمك يعطيك حتى يرضيك.
ثق به أحسن الظن بالجبار و ناجه باسمه الجبار نسأله سبحانه وتعالى أن يجبر كسرنا و أن يغفر ذنبنا و أن يتولى أمرنا و أن ﻻ يكلنا إلى غيره سبحانه وتعالى.
هذا و الله أعلم إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله