الدرس الخامس و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى: ((الخالق البارئ المصور))


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم ربنا لك الحمد كله و لك الملك كله و بيدك الخير كله و إليك يرجع اﻷمر كله علانيته و سره فأهل أنت أن تحمد و أهل أنت تعبد.
اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت اللهم لا مقرب لما باعدت و لا مباعد لما قربت اللهم لا قابض بنا بسطت و لا باسط لما قبضت اللهم أبسط علينا من فيض جودك و رحمتك ما أنت له أهل و نسألك  اللهم النعيم المقيم الذي لا يحول و لا يزول و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد.
نشرح بإذن الله تعالى في هذا الدرس من اسماء الله سبحانه وتعالى:
 ((الخالق البارئ المصور)) 
وردت هذه الأسماء العظيمة في قوله تعالى في سورة الحشر:
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
من يقرأ هذه الأسماء أو يعلم هذه الأسماء الخالق البارئ المصور يظن أن هذه الأسماء الثلاثة مترادفة و أن كلها ترجع للخلق و الإختراع لكن سبحان الله الأمر ليس كذلك الخالق البارئ المصور كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى تقدير أولاً ثم إيجاد وفق هذا التقدير ثانياً ثم التخطيط بعد الإيجاد و هذا معنى هذه الأسماء الثلاثة كما سيأتي معنا من تفصيل.
فالله سبحانه وتعالى خالق من حيث أنه مقدر.
و بارئ من حيث أنه مخترع موجد.
و مصور من حيث أنه مرتب صور المخترعات حسب الترتيب.
إذاً:
أصل الخلق في أسمه الخالق التقدير؛فالله تعالى يقدر الأشياء تقديراً بحكمة بالغة و إتقان بالغ ثم يوجد هذه الأشياء و هذه المخلوقات وفق ذلك التقدير؛ لذلك قيل:
إن الخالق سبحانه قدر الأشياء و هي في طوايا العدم لم تكن شيئاً مذكورا كما قال سبحانه وتعالى في سورة الإنسان( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) أي كان في طوايا العدم و كلها بمحض الجود والكرم منه سبحانه ثم أظهر تلك المخلوقات التي أوجدها من العدم و قدرها تقديرا أظهرها وفق إرادته و مشيئته و حكمته.
إذاً هذا هو الخالق هذا هو البارئ إذاً:
الخالق قدر.
البارئ سبحانه وتعالى أوجد على وجه الإبداع.
فبرأ الخلق أوجدهم و كما يقال برأ النسمة.
و قيل البارئ هو الذي يخلق خلقا بريئاً من العيوب بريئاً من التفاوت بريئاً من التنافر دقيق النظام منتظما محكما لا خلل فيه لا تنافر لا تفاوت هذا هو البارئ سبحانه.
المصور:
إذاً الخالق بعد أن قدر برئ وفق هذا التقدير ثم صور أي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها.
و معنى التصوير هنا أي التخطيط و التشكيل فهذه الصور التي خلقنا عليها و صورنا عليها من المصور سبحانه أتت بعد خلق بتقدير و إبراء من الله سبحانه وتعالى خلق بريء من التفاوت والتنافر محكم منتظم ثم بعد ذلك وفق تخطيط و تشكيل اختاره سبحانه وتعالى فباعتبار الترتيب في هذه الأسماء الحسنى الثلاثة الخالق البارئ المصور فالله خالق كل شيء بمعنى مقدره من أصل و من غير أصل على مثال سابق أو على غير مثال من عدم و لى يخلق و يوجد على غير مثال إلا الله.

لا يمكن أن يكون هناك مخلوق و إن صدق القول في حقه أنه خلق الشيء أو أوجد الشيء خلق المخلوق لهذا الشيء و إيجاده لهذا الشيء لا بد أن يكون على مثال سابق لكن البارئ سبحانه وتعالى أخرجه و أنفذه بدقة و حكمة و إتقان سبحانه من غير تفاوت و لا إختلال و ﻻ غير مثال سابق و صوره في صورة يترتب على هذه الصورة الملامح و السمات و يتم بهذه الصورة الكمال سبحان الله العظيم.

مثال ذلك أيها الكرام و لله المثل الأعلى.
عملية البناء لو أردنا أن نطبق في حق المخلوق مسألة الخلق أو كيف أنه ﻻ بد أن خلقه للشيء و إيجاده لا بد أن يكون له مثال سابق.
فمثلاً و لله المثل الأعلى عملية البناء بناء بيت يحتاج إلى مهندس معماري يضع التصميم أولاً ثم مهندس آخر متخصص في البناء يقدر ما يحتاجه هذا البناء من إسمنت و حديد و رمل و خشب ثم بعد ذلك يحتاج هذا البناء إلى بناء يتولى الأعمال و ينفذ هذا البناء وفق معايير معينة و مقادير معينة ثم يحتاج هذا البناء إلى مزين و نقاش ينقش و يزين الصورة و يعطي الملامح النهائية التي يتميز بها هذا النباء عن غيره.
فما الفرق بين الخالق و المخلوق في هذا السياق؟
مالفرق في خلق الخالق و خلق المخلوق؟
هو أن البناء بالنسبة للبشر يحتاج إلى عدة أشخاص بإخراجه إلى الوجود و الفراغ منه لا يمكن أن يتولى البناء شخص واحد.

العمل الذي يخلقه المخلوق و يوجده المخلوق ﻻ يمكن أن يتولاه شخص واحد بل يتدخل فيه عدة أشخاص و الله سبحانه وتعالى ليس كذلك أبداً فهو وحده الخالق و هو البارئ و هو المصور لا شريك له لا معين له لا يخلق على مثال سابق أما البناء فإنه لا بد أن يكون على مثال سابق و هذا البناء الذي بناه هذا المهندس و صممه لا بد أنه وجد له مثيل أو شبه فصمم على أساس هذا الشبه و أساس هذا المثل و لم يخلق هذا البناء من العدم.

البناء حين يبني بيت و الذي يشترك فيه عدة أشخاص و عدة تخصصات حتى يقوم هذا البناء ﻻ بد أن يكون له مثال سابق و لا يمكن أن يكونوا أوجدوه من عدم بل أوجدوه من أشياء موجودة لكن الخالق البارئ المصور لا يلزم أن تكون الأشياء التي يوجدها أن تكون من موجود بل من موجود و من عدم سبحانه وتعالى.

لو تأملنا آثار هذه الأسماء الثلاثة الحسنى في حياتنا:
آثار هذه الأسماء الخالق البارئ المصور لا تعد و لا تحصى فكل ما نراه في هذا الوجود في السماوات و في الأرض و في أنفسنا كل ذلك هو من بديع خلقه و برئه و تصويره و إبداعه سبحانه وتعالى.
 و لو أردنا أن نقف على جمال خلقه سبحانه وتعالى على جمال برئه سبحانه وتعالى على جمال إبداعه سبحانه وتعالى في هذا الكون و الله لن تسعنا اﻷوقات و لا الساعات و لا الأيام ﻷن خلقه عظيم سبحانه وتعالى يكفيك أن تتفكر في نفسك أنت أيها الإنسان:
(وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)

لو أردنا أن نقف على إعجاز واحد بل أقل شيء في الإنسان أو جزء من عشرات الأجزاء في هذا الإنسان و من مئات الأجزاء لو أردنا أن نتفكر في هذا الخلق كمثال في العظام التي أوجدها الله في هذا الإنسان لو تأمل الإنسان في عظامه لوجد إعجازا عجيباً ليس له حد خلقها البارئ لكي تعطي هذا الجسم شكله و قوامه فسبحان الله هذه العظام التي خلقها الله سبحانه وتعالى و برأها في جسم الإنسان تشبه الأعمدة التي يقوم عليها البناء و لو لا تلك العظام ﻷصبح الإنسان كتلة من اللحم المتراكم سبحان الله و قد فصل الخالق سبحانه البارئ هذه العظام تفصيلا دقيقاً عجيباً لو لم تكن كذلك لما تمكن الإنسان أن يقوم من مكانه لعجز عن تحريك إصبع من أصابعه ﻷصبحت أصابعه كقطعة من حديد لكن البارئ سبحانه فصل هذه العظام بمفاصل و إبداع بإتقان كل عظمة تنتهي بنهاية تناسبها و توافق ترتيب العظم المتصل بها هذه المفاصل شكلها الخالق البارئ تشكيلا يلائم الحركة المطلوبة للإنسان فكل مفصل في جسم هذا الإنسان يعمل بطريقة عجيبة بطريقة منظمة بحيث يسمح لكل عضو من أعضائه أن يتجه في الإتجاه المناسب له و أن يتحرك إلى اﻷمام أن يتحرك إلى الخلف إلى الجنب سبحان الله فبديع خلق الله سبحانه وتعالى في هذا العبد شيء عجيب و القوة المحركة لهذه اﻷعضاء و لهذه الجوارح بما فيها من عظام و من عضلات و من مفاصل و ما فيها كلها تتحرك بإحكام بتنظيم عجيب من الحكيم من الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.
ما حظ المؤمن من هذا الإسم؟
حظ العبد المؤمن من هذا اﻹسم كما يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
مختصر كلامه فقد تكلم كلاما طويلاً يبين فيه ماذا يجب أم يكون حظ المؤمن من هذه الأسماء الثلاثة.
مختصر هذا الكلام أنه:
يحث هذا العبد الضعيف أن يتعلم عن نفسه و عن الكون و أن يقرأ في العلوم التي فتح الله بها على عباده لكي يستلهم منها عظيم خلق الله سبحانه وتعالى.

من ضمن كلامه يقول:.
و يكتسب العبد حينما يتعلم الصورة العلمية المطابقة للصورة الوجودية فإن العلم صورة في النفس مطابقة للمعلوم و علم الله سبحانه هذا الإنسان و بين له الصور الموجودة في اﻷعيان و جعل علمه سبباً لحصول الإيمان في قلبه يستفيد منها العبد في إيمانه فيزداد إيماناً و يقيناً و معرفة بالله و أسمائه و صفاته و هذه المعرفة مالفائدة منها مالهدف منها؟
تقربه من ربه فيمتليء القلب خشية و إنابة و إخباتا و محبة و تعظيما للخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.

كذلك من حظ العبد من هذه الأسماء العظيمة:
أن الامور الموجودة في الكون تنقسم إلى قسمين:
قسم لا يرتبط حصوله و وجوده بقدرة العباد أصلاً كالسماء و الأرض و النجوم و الكواكب و الحيوانات و النباتات كل ذلك ﻻ يرتبط وجوده بالعبد.
و قسم يرتبط حصوله و وجوده بقدرة العباد لكن هذه القدرة من أين أتتهم من أين منحوها؟

من الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى و من ذلك المخترعات و الصناعات و السيارات و الأدوات و الملابس و غير ذلك فإن الإنسان يبتكر و يخترع ما شاء الله له أن يخترع و يكون ذلك عن طريق البحث و إعمال العقل الفكر في موجودات الله فيبدع هذا الإنسان و يطور الصناعات و التقنيات و يتقدم الجنس البشري كله بقدرة الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى لكن ﻻ ينبغي الذهول عن الفرق الكبير جداً و التفاوت بين الخالق و المخلوق في هذا الصدد و في هذا الباب فمهما أبدع الإنسان و مهما كان متقنا و مهما كان عمله جميلا و دقيقاً لكنه لن يصل أبداً إلى إتقان الخالق البارئ المصور.

كذلك على العبد يجب عليه أن يحذر من الإتصاف بصفات لا يجوز للبشر أن يتصفوا بها و هي كصفة التصوير و كصفة الجبروت و العظمة التي لا تكون إلا لله و قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في أحاديث كثيرة فقال:
إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون.

و كذلك إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون بها يوم القيامة يقال لهم أحيو ما خلقتم.
يستنبط من هذه الأحاديث و غيرها:
أن الممنوع و المحرم هو تصوير اﻷحياء من اﻹنسان و الحيوان باليد على هيئة تماثيل و هيئة أصنام و تصميمها و عملها كتمثال و تصوير لهذا الإنسان أيضاً الرسم باليد هذه من الأفعال المحرمة التي يدخل أصحابها في هذه الأحاديث أما تصوير النبات و الجماد فلا بأس طبعاً كن تصويره على أي حال  كان سواءً كمجسمات أو كرسوم على أوراق أو كتصوير باﻵلات المتقدمة أما يخص من تصوير اﻹنسان برسمه أو بتجسيمه و عمله كتمثال و كصنم أو كشيء مجسد و مجسم فهذه التي يدخل بها العبد في التحريم و يدخل بها العبد تحت العقوبة التي نص عليها الحديث إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون.
و اﻷمر في هذا على تفصيل و ليس في هذا مجال للتفصيل في حكم هذه المسألة و ما يرجع إليها في مظانها من كتب العقيدة و غيرها في فتاوى أهل العلم من الأحياء أو الأموات أهل العلم الموثوقين.

نسأل الله أن بجعلني و من سمع ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أن يغفر لنا ذنوبنا و يكفر عنا سيئاتنا و يغفر لنا ما قدمنا و ما أخرنا و ما أسررنا و ما أعلنا و ما هو أعلم به منا و أن يرزقنا من الفهم عنه و عن نبيه ما يبلغنا به منازل النبيين و يحشرنا به في زمرة العلماء العاملين برحمته و هو أرحم الراحمين.
إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس الرابع والعشرون من شرح أسماء الله الحسنى: اسم الله((الجبار))