الدرس السادس و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى: اسم الله (المهيمن)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و أشرف المرسلين.
الحمد لله رب العالمين أعطى اللسان و علم البيان و خلق الإنسان فبأي آلاء ربكما تكذبان.
لك الحمد يا من هو للحمد أهل أهل الثناء و المجد أحق ما قال العبد و كلنا لك عبد.
لك الحمد من ضعيف يطلب نصرتك.
لك الحمد من فقير يطلب غناك.
لك الحمد من ذليل يطلب عزك.
لك الحمد ما دعوناك إلا حسن ظن بك، و ما رجوناك إلا ثقة بك، و ما خفناك إلا تصديقا بوعدك و وعيدك فلك الحمد.
حمدك ربي كل ما لاح كوكب
و ما ناح قمري  عن الغصن يندب
و شكر جزيل و الثناء مردود
لك الحمد ما امتدت إليك المطالب.
وبعد.
أيها الإخوة الأكارم والأخوات بإذن الله تعالى نشرح إسمه سبحانه وتعالى جل في علاه (المهيمن)
هذا الإسم العظيم لم يذكر في القرآن العظيم إلا مرة واحدة و ذلك في قوله تعالى:
 (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)

فما معنى هذا الاسم العظيم؟
المهيمن سبحانه وتعالى هو القائم على خلقه بأعمالهم و أرزاقهم و أجالهم.
و قيامه هذا إنما كان باطلاعه و استيلائه و حفظه.
فالإطلاع  يرجع إلى العلم. فإطلاعه يرجع إلى علمه.
و الإستيلاء استيلاء الله تعالى يرجع إلى كمال قدرته و سعة قدرته.
أما حفظه يرجع إلى فعله سبحانه وتعالى فهو الحفيظ.
و الذي يجمع هذه المعاني الثلاثة كلها من الإطلاع و الإستيلاء و الحفظ إنما هو اسمه المهيمن سبحانه وتعالى و لا يجتمع ذلك على الإطلاق كما هو الحال فيما ذكرنا إلا لله سبحانه وتعالى.

إذن:
لا يجمع العلم و سعة الإطلاع و الإستيلاء و الحفظ كل هذا لا يجمع و لا يكون كاملاً إلا في حق الله سبحانه وتعالى و كله يهيمن عليه اسمه المهيمن سبحانه وتعالى.
و قد قيل أيضاً في معنى المهيمن سبحانه انه الرقيب الحافظ لكل شيء الخاضع بسلطانه كل شيء.
و قيل أيضاً هو القائم على خلقه الشهيد عليهم.

و نقل ابن كثير عن ابن عباس و غير واحد من أهل العلم أن المهيمن هو الشاهد على خلقه بأعمالهم كقوله سبحانه ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)
قائم رقيب شهيد مهيمن سبحانه وتعالى.
إسم الله المهيمن سبحانه إذا أردنا أن ننظر لهذا الكون لنرى من آثار هذا الإسم  العظيم فو الله لن ينتهي من التفكر و لن ينتهي من النظر فالكون حولنا أيها الإخوة يزهر بآثار اسمه المهيمن سبحانه وتعالى.

هذا الكون العظيم مخلوق بدقة و نظام متناهي يسير وفق سنن محكمة من المهيمن.
من عالم الذرة المتناهية في الصغر إلى عالم المجرة المتناهية في الكبر.
نجد سنن الله و هيمنته تظهر و تحكم الآفاق و الأنفس سنن شاملة سنن الموت و الحياة سنن الفقر السنن الكونية  السنن الشرعية كل تلك السنن ثابتة لا تتغير لا تتبدل الكون كله يخضع لسنن الله الصارمة سبحانه وتعالى و ثبات هذه السنن و اضطرابها إنما هو أثر من آثار المهيمن سبحانه وتعالى في هذا الكون.

المهيمن سبحانه وتعالى شاهد على خلقه بما يصدر منهم من قول أو فعل لا يغيب عنه من أفعالهم شيء سبحانه و ﻻ يغيب عنهم من أحوالهم شيء و ﻻ يغيب عنه من ابتلائهم و حالتهم و شدتهم و فقرهم و حربهم و سلمهم و أمراضهم و ابتلاءاتهم و فرحهم و حزنهم ﻻ يغيب عنه شيء من هذا هو مهيمن على كل شيء في هذا الكون و له الكمال المطلق في هذا سبحانه ﻻ يضل و لا ينسى و ﻻ يغفل: 
(وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

مهيمن على كل شيء في حياتك.
مهيمن على قلبك.
مهيمن على جوارحك.
مهيمن على تصرفاتك على كل ما تقوم به في هذه الحياة و طالما أنت حي ترزق و فيك الروح و فيك القلب ينبض فالله سبحانه وتعالى مهيمن عليك ثم إذا توفاك فهو مهيمن على تلك الحياة الأخرى التي سننتقل إليها و ليس من مخلوق إﻻ سينتقل إلى تلك الحياة و يهيمن عليها المهيمن سبحانه وتعالى بكل ما في تلك الحياة من عذاب و نعيم و سنن منه سبحانه وتعالى فهو المهيمن على أمر الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى.

و ﻷنه المهيمن سبحانه وتعالى فقد جاء كتابه المنزل مهيمن على جميع الكتب و رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء المهيمن على جميع من قبله من الرسل و كتابه مهيمن على جميع ما قبله من الكتب يقول في ذلك ربنا سبحانه:
( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)
و مهيمنا على كل كتاب سبق قبل هذا الكتاب العظيم.

كذلك فالله سبحانه وتعالى مهيمن محيط بعباده مع كمال هيمنته لا يقدرون على قوته لا يقدرون على الفرار منه بل لا ملجأ و لا منجأ منه إلا إليه سبحانه وتعالى.
و من اﻷدعية التي علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ﻷصحابه و تعلمناها منه و من أصحابه هو ما يقوله العبد إذا آوى إلى فراشه اللهم إني وجهت وجهي إليك و ألجأت ظهري إليك و فوضت أمري إليك رغبة و رهبة إليك لا ملجأ و لا منجأ منك إﻻ إليك سبحان الله فلا ملجأ و لا منجأ من الله إلا إليه ففروا إلى الله المهيمن سبحانه وتعالى .
المهيمن لا يغيب عنه علم شيء صغيراً كان أو كبيراً ظاهراً كان أو باطنا فهو كما وصف نفسه سبحانه وتعالى بالمهيمن سبحانه و تعالى.

ما حظي و حظك إذا آمنا بهذا الاسم العظيم إذا صدقنا بهذا الاسم العظيم إذا عشنا مع كل معنى لهذا الإسم العظيم؟
الواجب على كل عبد مؤمن يراقب قلبه ﻷن هذا القلب أشرف الأعضاء في الإنسان.
و من الواجب على العبد المؤمن الذي صدق في إيمانه بربه و تعلقه بربه أن يجعل ربه مهيمنا على هذا القلب أن يجعل ربه المهيمن مهيمنا على قلبه على حبه على مرضاته على محابه فلا حب إﻻ لله و بالله و لا تعلق إﻻ لله و بالله و لا طاعة إﻻ لله و بالله كل شيء إلى الله و مع الله سبحانه وتعالى مع المهيمن.
المهيمن سبحانه وتعالى الذي قام بحفظك و هيمن على جميع أمورك و صرف أمورك و دبرها أحسن تدبير و أحسن تصرف فهو سبحانه وتعالى مطلع على أقوالك على أعمالك على سلوكك.
إذاً مالواجب عليك؟
أن تراقب أعمالك.
أن تراقب سلوكك.
أن تسعى بأن تحفظ أعمالك على نهج السداد

لأن المهيمن سبحانه مطلع على باطنك و سرك سبحانه وتعالى مطلع على ما في قلبك محيط بك مهيمن عليك؛ فأعظم أثر من آثار اﻹيمان بهذا اﻹسم:
أن يراقب العبد ربه يراقبه حق المراقبة يحفظ جوارحه يحفظ قلبه فلا مهيمن عليه إﻻ هو سبحانه وتعالى المهيمن.
يستحيي هذا العبد الذي آمن بالمهيمن يستحيي في حركاته و سكناته و لسانه و قلبه و جوارحه من أن يطلع عليه الله فيراه مقيماً على المعاصي و الذنوب فهو سبحانه شاهد على كل أفعال المخلوقات.

سبحانه يشهد على خواطرنا يعلم سرائرنا يبصر ظواهرنا يعلم و يسمع سرنا و نجوانا يعلم ما يؤلمنا يعلم ما يفرحنا يعلم ما يضرنا و ما ينفعنا سبحانه وتعالى قادر على كشف كروبنا قادر على تفريج همومنا إذاً هو المهيمن سبحانه وتعالى.
و مراقبة العبد لخالقه و اللجوء إليه في جميع ظروف العبد و أحواله و الله لا تأتي إلا بخير و لا تأتي إﻻ بالسداد و لا تأتي إﻻ بالفلاح فما خاب من راقب ربه حق المراقبة و ما خاب من علم أن له ربا مهيمنا عليه فحفظ سمعه و بصره و جوارحه عما يغضب ربه و فوق كل ذلك حفظ قلبه أن يكون فيه غير الله سبحانه وتعالى.

نسأله سبحانه وتعالى و هو المهيمن على أحوالنا و المهيمن على خلقه في السماوات و في الأرض سبحانه أن يتولى أمرنا و أن يغفر ذنبا و أن يفرج همنا و أن يتوب علينا و أن يسددنا و أن يلهمنا رشدنا و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا.
هذا و الله أعلم.
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
و صلى الله و سلم و بارك على محمد و على آله وصحبه أجمعين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس الرابع والعشرون من شرح أسماء الله الحسنى: اسم الله((الجبار))