وما قدروا الله حق قدره !


أمسكت بقلمي الضعيف ... الفقير ... الحقير .. لأثني على ربي وأعظمه وأقدسه .. فتساقطت دمعاتي قبل تساقط الحبر على ورقاتي .. وانهارت كل قواي .. وضعفت جميع حواسي .. وتسارعت دقات قلبي خوفاً ووجلاً ورهبة ورغبة من الكبير العظيم الجبار المتكبر الملك !
من أنا لأكتب ثناءاً على أعظم موجود .. وأحق معبود ؟!
يا الله أكاد أسقط حياءاً وخجلاً وضعفاً وأنا أذكرك وأثني عليك !
وأسأل نفسي وتسألني .. من حاول الثناء على ربه واستشعار صفات كماله وجماله سقط ضعفاً, وتهاوى فقراً, وانهار خضوعاً وذلاً !
فماذا عسى أن يشعر من تجرأ على الجناب المهاب .. والكمال المجاب ؟!!
لا عاش .. ولا عوفي .. ولا هنئ .. ولا برئ !
محجوب عن الله في دنياه قبل آخرته: ({كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]
محجوب ذلك الظالم المغبون عن صفات العظيم وأفعاله في الدنيا وعن ذاته المهابة في الآخرة !
أي جرأة تلك في العبد الحقير الذليل التي تجعله ينال جناب العزة والمنعة والمهابة ؟!!
سبحانك ربنا ما أعظمك !
سبحانك ما أحلمك !
سبحانك ما أحكمك !
سبحانك لا نحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك !
سبحانه القوي الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت الأصوات لهيبته، وذل الأقوياء لقوته، وقهر الخلائق بقدرته.
سبحانه الكبير الذي له الكبرياء في السموات والأرض، الجبار الذي قهر الجبابرة بجبروته، وعلاهم بعظمته
حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]
سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، جعل العزة إزاره والكبرياء رداءه, قال النبي  صلى الله عليه وسلم عن ربه: «الْعِزُّ إِزَاري، وَالْكِبْرِيَاءُ ردائي فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُـهُ» أخرجه مسلم
وانظر إلى حال كليم الله موسى عليه السلام حين جاء لميقات ربه، تشوفت روحه واشتاقت نفسه لرؤية ربه، فطلب من ربه أن ينظر إليه، فأعلمه الله أنه لا يطيق أن يراه، وأمره أن ينظر إلى الجبل الذي هو أمكن وأثبت وأكبر من الإنسان، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً.
ومن رهبة الموقف خرّ موسى صعقاً، فغُشي عليه، وغاب عن وعيه كما قال سبحانه: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) الأعراف 143

إن الله مالك الملك، استخلف هذا الإنسان في هذه الأرض، ووهبه من القوة والقدرة والعلم ما يشاء، والله كالئه وحاميه، والله رازقه ومعطيه، ولو تخلت عنه يد الله لحظة لسحقته أقل القوى المسخرة له، ولأكله الذباب، وما هو أصغر من الذباب، ولكنه بإذن الله مكلوء محفوظ مكرم من بارئه وفاطره.

ومن عظمته سبحانه أن السموات السبع والأرضين السبع في يد الرحمن أصغر من الخردلة، فهو سبحانه العظيم الذي يستحق من عباده أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، وذلك لا يكون إلا بعد معرفته بأسمائه وصفاته.
ومن تعظيمه سبحانه أن يُتقى حق تقاته، فيُطاع ولا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]
هو المستحق للحمد والمدح والتعظيم , والذي يُّـحمد ويُـمدح ويعظّم في الدنيا لأحد وجوه أربعة:
إما لكونه كاملاً في ذاته وأسمائه وصفاته، منزهاً عن النقائص والآفات.. وإما لكونه محسناً إليك.. وإما لكونك ترجو وصول إحسانه إليك في المستقبل.. وإما لأنك خائف من قهره وقوته وكمال سطوته.
فهذه الجهات الموجبة للتعظيم بين البشر.
والله وحده هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو المحسن إلى جميع خلقه، وهو الذي يرجى دوام إحسانه، وهو القاهر فوق عباده، القاهر لجميع مخلوقاته.
وأعظم المعاصي الجهل بالله عزَّ وجلَّ، وسوء الظن به، فالمسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته، فأي ضلال وجهل وسوء فوق هذا؟.
ولهذا توعد الله سبحانه هؤلاء بما لم يتوعد به غيرهم: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}الفتح:6
وإن من الظلم وأشنعه أن يُعطى حقه سبحانه لغيره , أو يُشرك معه فيه غيره , أو يشبه أحدٌ من مخلوقاته به سبحانه !
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)  الروم﴿٢٨﴾
سبحانه لامنتهى لعظمته وجلاله وكبريائه الذي «يُـمْسِكُ السموات يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَـى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَـى إِصْبَعٍ، وَالْـجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَـى إِصْبَعٍ، وَالْـمَاءَ وَالثَّرَى عَلَـى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْـخَلْقِ عَلَـى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَـهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنَا الْـمَلِكُ، أنَا الْـمَلِكُ» متفق عليه .
اللهم اللهم عرفنا بك فإنا محتاجون إليك .. لا غنى لنا عنك ..
اللهم علمنا خشيتك وحبك كما تحبه لنـا ..
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين ..
اللهم اصلح احوالنا وارضى عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
اللهم ارزقنا من الفهم عنا وعن نبيك ما نبلغ به منازل النبيين ونحشر به في زمرة العلماء العاملين.




تعليقات

  1. جزاكي الله خيرا ونفع بك المسلمين والمسلمات وجمعنا واياكي في جنات النعيم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله