الدرس الثالث عشر من شرح أسماء الله الحسنى (اسم الله -الواسع- جل جلاله)

اسم الله((الواسع))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنيياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً اللهم يا معلم إبراهيم علمنا و يا مفهم سليمان فهمنا اللهم ﻻ سهل إﻻ ما جعلته سهلاً و أنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا

نشرح بإذن الله تعالى في هذا الدرس اسم الله تعالى جل في علاه((الواسع))
الواسع سبحانه وتعالى ورد في القرآن الكريم تسع مرات

أربع منها في سورة البقرة و ذلك تعقيباً على جوده و مغفرته سبحانه فقال:
(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
وقال سبحانه: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
و قال سبحانه: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
و قال سبحانه: (وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

فلاحظنا هنا اقتران اسم الله تعالى الواسع باسم العليم في سبع مواضع من المواضع التسعة الواردة في القرآن  مما يدل على أن فضله الواسع سبحانه و إحسانه و نعمته و رحمته و قدرته تعطى بناء على علمه الشامل المحيط بعباده سبحانه وتعالى.
الواسع سبحانه هو الذي وسع رزقه جميع مخلوقاته و وسعت رحمته كل شيء و غناه كل فقير.

الواسع سبحانه الكثير العطايا الذي يسع ما يسأل
الواسع الوحيد من كل شيء.
الواسع الغني الذي وسع غناه مفاخر عباده و وسع رزقه جميع خلقه.
الله يعطي عن سعة.
الواسع يلزم من سعته أنه غني عن عباده قائم بنفسه و بغيره سبحانه وتعالى.
الواسع سبحانه وتعالى واسع في علمه واسع في عطائه واسع الرزق واسع  الغنى واسع العطاء واسع العلم واسع الملك واسع القدرة واسع الرحمة واسع اﻹحسان و اﻹنعام واسع المغفرة سبحانه.

سبحانه من وسع علمه جميع المعلومات فلا يشغله معلوم عن معلوم و وسعت قدرته جميع المقدورات فلا يشغله شأن عن شأن و وسع سمعه جميع المسموعات فلا يشغله دعاء عن دعاء.
إذا دعوت فاعلم أن في لحظة دعواتك يدعوه ملايين البشر يرفعون أكفهم فيدعونه اﻵﻻف البشر فلا يشغله دعاء عن دعاء ﻷنه واسع السمع واﻹحاطة و العلم.

وسع إحسانه جميع الخلائق فلا يمنعه إغاثة ملهوف عن إغاثة غيره يغيث هذا و يعطي هذا و يغني هذا و يتفضل على هذا وسعت رحمته كل شيء سبحانه أرحم الراحمين.
الواسع سبحانه سعت جوده و كرمه و إحسانه و بسط نعمه يلحظه جميع الناس فما ينزل من ماء من السماء و ما تجري به اﻷنهار و العيون و ما تموج به البحار و اﻷنهار من خيرات لا يعلمه و ﻻ يحصيه إﻻ هو سبحانه.

سبحانه أخبرنا عن سعة علمه فضرب لنا مثلاً بكلماته
(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)

كلماته التي خلق بها الخلق و أوجد بها جميع الكائنات ضرب لنا مثلاً بأن أشجار اﻷرض كلها لو تحولت إلى أقلام لتكتب بها و تحولت كل بحار اﻷرض إلى مداد لتلك اﻷقلام لفنيت تلك البحار و فنيت تلك اﻷقلام و لو جئنا بمثلها سبع مرات لفنيت كلها و بقيت كلمات الله سبحانه لم تنفد، سعته ظاهرة في رحمته، رحمة الله تعالى التي ظهرت فيما أنزله من كتب فيما أرسله من رسل لهداية الخلق حتى عمتهم السعادة في الدنيا والآخرة.

سعته في مغفرته فمهما عظمت ذنوب عباده و هفواتهم و زلاتهم فعفوه أوسع و مغفرته أوسع و أعظم.
واسع في خلقه سبحانه، واسع في إيجاده فاﻷرض بسهولها و جبالها و بحارها و أنهارها شاهدة على سعته سبحانه، السماء في سعتها سعة بنائها فهي دائمة التوسع: 
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

ومع سعة الأكوان و السماوات وما فيها وما بينها فلا يستطيع اﻹنسان مهما أوتي من وسائل و تقنيات و مهما تطورت تلك الوسائل و التقنيات أن يحيط بجزء من تلك المحيطات و ذلك الكون حتى أن أقصى ما قدر عليه علماء الفلك المعاصرون أنهم اخترعوا بعض المناظير الإلكترونية حتى يصلوا إلى شيء في الكون فلم يستطيعوا أن يصلوا إﻻ إلى بعض المخلوقات في السماء الدنيا فقط.

بعض النجوم و المجرات البعيدة التي تبعد عنا تقريباً حوالي خمسة و عشرين ألف سنة.
فالسماء الدنيا هذه فقط وحدها بالنسبة للسماوات السبع شيء ضئيل جداً بل أن لله سبحانه وتعالى خلق أوسع من ذلك أﻻ و هو كرسيه سبحانه موضع قدميه وسع كرسيه السماوات والأرض سبحانه الواسع.
أحاط عرشه بجميع الكائنات من أراضين و سماوات و جنة و نار ثم استوى على العرش سبحانه وتعالى.

الواسع واسع في تشريعه في حكمته واسع في علمه واسع في عدله واسع في رحمته واسع في مغفرته واسع في رأفته واسع في عزته واسع في غناه.
اسمه الواسع يأتي على جميع أسمائه سبحانه وتعالى.
يأتي مع كل إسم من أسماء الله تعالى مع اسمه الغني الخبير اللطيف الرحيم الغفور السميع البصير كل اسم من أسماء الله تعالى يلازمه اسمه الواسع بل إن سعته سبحانه في كل أفعاله و أقواله و صفاته و أسمائه سبحانه وتعالى.

من أثار اﻹيمان بهذا الاسم:
أن يعلم العبد أن الله واسع في علمه فلا يخفى عليه شيء في اﻷرض و لا في السماء.
أن الله واسع في حكمته فكل أفعاله و أقواله بحكمة واسعة.
واسع في رحمته يسع العباد برحمته: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
الله واسع العطاء كثير اﻷفضال يتفضل على خلقه، خلقه يتقلبون في رحمته و فضله ليل نهار كلنا نتقلب في فضله في رحمته في عطائه في غناه: 
(قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ)
سبحانه نتقلب في نعمه: 
( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)
واسع في كل شيء سبحانه يعطي من يشاء و يمنع من يشاء يخفض من يشاء يرفع من يشاء.
وسع على عباده حتى في دينهم حتى في التكاليف التي كلفهم بها وسع عليهم فيها:
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

فما كلفنا به ربنا سبحانه وتعالى من شرائعه و شريعته التي نزلت على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ففيها الوسع و فيها اليسر إن الدين يسر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
الدين يسر و فيه سعة ، سعة لا نتخلى فيها عن ثوابتنا ﻻ نتخلى فيها عن مبادئ ديننا عن قيم ديننا عن أخلاق ديننا ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

سعة في أقداره و قضائه ﻻ تتخيل و ﻻ تتصور أن الله يبتليك بما ﻻ تستطيع تحمله أبداً.
كذب من ظن أن الله قد ابتلاه و وضعه في موضع و وضعه في موقف أو في موطن ﻻ يتحمله لماذا؟
ﻷن الله تعالى قال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)
قال: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) 
فما ابتلاني و ابتلاك الله من نعم و من سراء و من ضراء و من خير و من شر إنما هو في وسعنا و لو لم أنه في وسعنا ماوضعنا الله فيه فهو الحكيم سبحانه وتعالى.

واسع في مغفرته يغفر لكل من تاب لكل من أناب
يا ابن آدم لو آتيتني بقراب اﻷرض خطايا ثم استغفرتني لغفرت لك و لا أبالي يابن آدم لو آتيتني بقراب اﻷرض خطايا ﻵتيتك بقرابها مغفرة.
واسع في مغفرته سبحانه يغفر لمن يشاء يعفو عمن يشاء.
مغفرته واسعة عفوه واسع لذلك من الدعاء المأثور اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبي و رحمتك أرجى عندي من عملي سبحانه الواسع.

ما حظ المؤمن من هذا اﻹسم؟
ما حظي و حظك من هذا اﻹسم؟
أن نتوسع في العلم أن نتوسع في المعرفة أن نتوسع في الأخلاق أن ننهل من العلم و أنواع العلم النافع قدر ما نستطيع قدر اﻹمكان و كلما كثرت علوم العبد كلما زاد رفعة و مكانة و بصيرة و نورا في دين الله و شرع الله كلما اتسعت أخلاق العبد لم تضق لفقر لم تضق لغيض لم تضق ﻹساءة لم تضق لحسد لم تضق لحرص لم تضق ﻷي صفة من الصفات الذميمة فأخلاق العبد واسعة تتعايش مع كل نوع من أنواع العيش وسع العيش...أحسن الناس أم أساءوا مدحوا الناس أم ذموا فهو واسع الأخلاق.

الواسع من العباد أيضاً الذي ﻻ يطلب حوائجه إلا من الله إن أراد السعة في الرزق أراد السعة في المال في الولد ﻻ يطلب إﻻ من الله ﻷنه يعلم أن الناس إذا أعطوك منوا بعطاياهم و انتظروا منك عوضاً ﻷنهم فقراء محتاجون مثلك مثلهم لكن الواسع الذي خزائنه ملىء: ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُه)

الغني العظيم الذي ﻻ يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، الذي يعطيك و ﻻ يبخل عليك الذي يعطيك و ﻻ يمن عليك الذي يعطيك و ﻻ يطلب منك عوضاً الرحمن يده ملىء سحاء الليل والنهار يقول صلى الله عليه وسلم و الحديث في صحيح البخاري ومسلم يقول:
(يد الله ملىء لا تغيظها نفقة سحاء الليل والنهار أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه سبحانه الواسع).

سل حوائجك من الله سل حوائجك من الواسع اعلم أنه وسع كل شيء برحمته و عطائه و فضله و مغفرته سبحانه وتعالى و مهما تحدثنا في هذا اﻹسم العظيم و في هذه الصفة العظيمة فلن نوفيها حقها لكن حسبنا منها ما يزيد فينا اﻹيمان و يعطينا و يقوي فينا الثقة في الواسع سبحانه وتعالى و ما عنده من العطايا.

نسأله سبحانه وتعالى الفرج العاجل و المغفرة و العفو اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم و ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين رحمتك التي وسعت كل شيء و اغفر لنا ما قدمنا و ما أخرنا و ما أسررنا و ما أعلنا و ما أنت أعلم به منا هذا و الله أعلم إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين.


تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها


إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله