الدرس الثاني عشر من شرح أسماء الله الحسنى. (الحكيم) جل جلاله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنيياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
نشرح اليوم بإذن الله تعالى اسم الله تعالى الحكيم.
يأتي شرحنا لهذا الإسم في سلسلة شرح أسماء الله الحسنى و صفاته العلى و ترتيبنا في شرح الأسماء وفق ما ذكر في المذكرة التي وضعت في أول قناة التليجرام في أول إنشائها.

تلك المذكرة من إعدادي و كتابتي بعد توفيق الله سبحانه و تعالى جمعتها و أعددتها تيسيرا و تسهيلا  لمن أراد أن يطلع على معاني أسماء الله تعالى و أثارها اﻹيمانية .
طبعا هي مختصرة جداً لكنها جمعت فيها المهم و الضروري فيما ًيحتاجه طالب العلم وغيره.
نشرح بإذن الله تعالى اسمه(الحكيم)
الحكيم جل في علاه ذكر في كتاب الله العظيم أكثر من تسعين مرة و في كل مرة ذكر هذا الإسم اقترن في أكثرها باسمه العزيز العليم الخبير العلي.
و هذا يدل على أن حكمة الله تعالى صادرة عن عزة صادرة عن علم صادرة عن علو صادرة عن خبرة.

اقترانها بالعلم قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)
و اقترانها بالعزة قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
و اقتران حكمته سبحانه بالخبرة: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)
و اقترانها بالعلو قال سبحانه وتعالى: ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
حكمة الله سبحانه وتعالى صادرة عن عزة صادرة عن علم صادرة عن علو و خبرة.
الحكيم سبحانه الذي أحكم أقواله و أفعاله.
فأقواله و أفعاله صواب كلها بلغت غاية الإتقان و من اﻹتقان فيها التي هي غاية الحكمة وضعه كل شيء في موضعه سبحانه وتعالى، دبر خلقه فأحسن التدبير، صنع مخلوقاته فأحسن الصنع لا يدخل في تدييره و تقديره خلل أبدا و ﻻ يعري صنعه نقص أو قصور ، و ﻻ يقع في أفعاله زلل أو خطأ سبحانه قال عن نفسه: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) 
أحكم اﻷفعال أتقنها فلا تفاوت فيها و لا اضطراب.
حكيم سبحانه وصف نفسه بالحكمة وصف نفسه بإتقان أفعاله بإتساقها بانتظامها بتعلق بعضها ببعض فهو الحكيم سبحانه وتعالى، حكمته شملت مخلوقاته و شملت شريعته.
شملت مخلوقاته كما أخبر سبحانه وتعالى و قال عن نفسه: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)
و السماوات شيء من مخلوقاته و ليس هي كل مخلوقاته( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ)

حكمته سبحانه وتعالى نوعان:
حكمة في خلقه.
و حكمة في شرعه.
حكمة في خلقه: خلق الخلق بالحق، غاية خلقه لهؤلاء الخلق غاية حق: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
خلق الخلق و المخلوقات كلها في أحسن نظام رتبها أكمل ترتيب أعطى كل مخلوق خلقه اللائق به سبحانه بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات و كل عضو من أعضاء الحيوانات و كل شيء و كل جزئية من هذا الكون سبحانه وتعالى خلقها في غاية الحكمة و اﻹحكام فلا يرى أحد في خلقه سبحانه ﻻ خلل و ﻻ نقص و ﻻ فطور سبحانه وتعالى؛ لذلك كان من اﻷلفاظ المنهي عنها أن يقال:
فلان به عيب خلقي من الخلق و هذا ﻻ ينبغي ﻷن الله تعالى ليس في خلقه عيب أبداً سبحانه.

حكيم سبحانه في شرعه، حكيم في أمره، لما شرع الشرائع سبحانه وتعالى و أنزل الكتب و أرسل الرسل لماذا أرسلها؟ لحكمة
ولماذا أنزل الكتب؟ لحكمة.
و لماذا شرع الشرائع؟ لحكمة.

أعظم حكمة شرع بها الشرائع و أنزل لها الكتب و أرسل لها الرسل ليعرفه عباده ليعبدوه حق عبادته فأي حكمة أجل من هذا؟!
اشتمل شرعه على كل خير يملىء القلوب علما إيماناً و تقى.
 هذا الشرع العظيم الذي شرعه الله لنا و ما فيه من أحكام و ما فيه من شرائع و ما فيه من أمر و نهي و عبادة و تكاليف كل ذلك يثمر كل خلق جميل و عمل صالح.
من اتبع شرعه و من قام على أمره غمرته السعادة غمره اﻷمن غمره العدل ﻷن ذلك الشرع صادر من حكيم سبحانه وتعالى.

أوامره نواهيه تحتوي على غاية الحكمة و الصلاح فسبحانه ﻻ يأمر إﻻ بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة و ﻻ ينهى سبحانه عن مضرة إﻻ كانت تلك المضرة خالصة أو راجحة سبحانه وتعالى.
أثار حكمته سبحانه وتعالى في مخلوقاته ظاهر ﻻ يحصيها العبد أبداً.
حكمته في أرضه حكمته في بره في بحره في سمائه  في جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى حكمته في شريعته سبحانه وتعالى.

الحكيم الذي كلامه صدر منه عن حكمة و أفعاله صدرت عن حكمة خلقه صدر عن حكمة و تلك الحكمة المقترنة كما ذكرنا في بداية الحديث مقترنة بالعلو مقترنة بالخبرة مقترنة بالعزة مقترنة بالعلم إذاً فكيف تكون هذه الحكمة؟! و كيف تكون تلك اﻷفعال و كيف يكون ذلك الكلام؟!
 أمره سبحانه وتعالى لخلقه في غاية الحكمة حينما يأمرنا الله بأمر أو ينهانا عن نهي فلنعلم أن ذلك لحكمة.

أقداره سبحانه وتعالى قضاؤه و قدره صادر عن حكمة لذلك ﻻ يحق للعبد و ﻻ يجوز له أن يسأل لماذا أنا فقير لماذا أنا مريض لماذا أنا ذو فاقة لماذا غيري غني و أنا فقير لما غيري تزوج و أنا لم أتزوج لماذا غيري قد أنجب و أنا لم أنجب لماذا غيري عنده البنات و البنين و أنا ليس عندي إﻻ البنات أو البنين لماذا غيري على وزيفة و أنا لست على وظيفة إذاً هذه المقارنات كلها ﻻ يحق للعبد الذي تمثل العبودية الحقة لله تعالى ﻻ يحق له أن يتساءلها لماذا؟

أولاً: ﻷن المقدر حكيم ﻷن المقدر عليم ﻷن المقدر خبير.
ثك لماذا؟ ﻷنه قال سبحانه: ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) 
اعلم أنما ما أصابك و أن ما أنت فيه من حال من غنى من فقر من علو من مرض من صحة من عطاء من منع إنما هو لحكمة ﻻ يعلمها إﻻ الله من موت من حياة من بقاء من عدم إنما هو حكمة من حكيم سبحانه وتعالى صادرة أعماله كلها صادرة أفعاله كلها عن حكمة منه سبحانه وتعالى، تلك الحروب ذلك الاستضعاف الذي حل باﻷمم حل بهذه اﻷمة في بقعة من بقاع الأرض في أي بقعة من بقاع الأرض سفك الدماء القهر الذل الظلم و الله لحكمة بقاء الطغاة و الظلمة و المجرمين إنما بقاؤهم لحكمة من حكيم عليم من حكيم خبير من علي حكيم سبحانه وتعالى.

ما حظ المؤمن من اسمه سبحانه وتعالى الحكيم؟
الحكيم من البشر من يهتم بما ينفع في العاقبة.
أولاً: نعلم أن الحكمة من الله كما قال سبحانه وتعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)
نسأل الله أن يؤتينا الحكمة

الحكمة ليست عند كل أحد و ليس كل أحد يسمى بالحكيم هذا معلوم و هذا أمر معلوم بالضرورة و مسلم به أنه ليس كل إنسان يسمى حكيم لكن يسعى اﻹنسان أن يبلغ الحكمة أن يبلغ غاية الحكمة و لو شيء من الحكمة.
الحكيم من البشر: الذي يهتم بما ينفع في العاقبة.
ﻻ يهتم بلحظته ﻻ يهتم بساعته ﻻ يهتم بوقته كما يقول لعض العامة عيش وقتك عيش ساعتك ﻻ
الحكيم يهتم بعاقبة أموره و ﻻ يحمل هم مصالح العاجلة هو ﻻ يفكر في مصلحته العاجلة إنما يفكر في مصلحته اﻵجلة.

 و من أعظم ما يتميز به الحكيم في هذه النقطة بالذات أنه يفكر في آخرته و يعمل ﻵخرته أنه يعمل ليوم يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يحاسب على كل صغير و كبير على كل حقير و كبير و عظيم و كل أمر(مال هذا الكتاب ﻻ يغادر ثغيرة و ﻻ كبيرة إﻻ أحصاها) 
الحكيم يفكر في ذلك كله ، يقدم أمر العاقبة على أمر الآجلة اﻵن التي يعيشها في كل أموره سواءً كانت أمور دنيوية أم أخروية لكن اﻷخروية أولى و من قدم آخرته على دنياه كفاه الله أمر دنياه كما جاء في الحديث:
من كانت اﻵخرة همه جعل الله غناءه بين عينيه و أتته الدنيا و هي راغمة و جمع الله عليه شمله و من كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله و جعل فقره بين عينيه و لم يأته من الدنيا إﻻ ما كتب له أو كما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم.

نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي أخرجه اﻹمام أحمد في مسنده:
الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من اتبع نفسه هواها و تمنى على الله اﻷماني.
كذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة كن ورعا تكن أعبد الناس و كن قنعا تكن أشكر الناس.
كذلك يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو يعلى ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى.
السعيد من وعظ نفسه.

كل هذه اﻷثار تدل على صفات الحكماء و كيف تكون أفعالهم و كيف تكون تصرفاتهم و كيف يكون تفكيرهم؟
يفكرون في الآجلة؟ لا 
إنما يفكرون في العاقبة
و ماهي عاقبة أمورهم؟

كذلك ينبغي للعبد المؤمن أن يعامل الناس بحكمة يتعامل مع ما يواجهه من الناس بحكمة.قد يسيء إليه مسيءو يخطيء عليه مخطيء فليتعامل معه في غاية الحكمة في جميع تصرفاته يتعامل بالحكمة في اﻷمور التي تخصه و في اﻷمور التي تخص غيره و تتعلق به يتعامل معها بحكمة بالغة في مشاكله المرأة في مشاكلها مع زوجها الزوج فب مشاكله مع زوجته الوالدان في نشاكلهما مع أبنائهما الموظف في مشاكله في وظيفته المدير في مشاكله مع موظفيه كل أنواع العلاقات بوجه عام أي كانت تلك العلاقات يجب أن يتعامل فيها المؤمن بحكمة و إن أخطأ مرة يراجع نفسه فعن أعاد و أخطأ يراجع نفسه فنرة يصيب و مرة يخطيء و ﻻ ييأس و ﻻ يحبط يحاول أن يربي نفسه  إذا لم يكن حكيماً ابتداءاً من الله سبحانه وتعالى يؤت الحكمة من يشاء فليسع ﻷن يكون حكيماً يسعى لذلك.
البعض منالناس الله سبحانه وتعالى وفقهم للحكمة و يسر لهم الحكمة و تفضل عليهم بالحكمة و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و غير أولئك عليه أن يجاهد نفسه لئن يثل إلى الحكمة يتأنى في اﻷمور يفكر مليا يتوقف حتى ﻻ يندم على تصرفاته و على عاقبة أموره.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤتينا الحكمة ﻷن من أؤتيها فقد أوتي خيراً كثيراً هذا و الله أعلم إن أصبت فمن الله وحده و إن أخكأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله وبارك على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها


إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله