تفريغ الدرس الثاني من شرح أسماء الله الحسنى.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء وأشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله  صحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، اللهم ﻻ مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت اللهم ﻻ قابض لما بسطت وﻻ باسط لما قبضت، اللهم ابسط علينا من فيض جودك ورحمتك ما أنت له أهل، ونسألك اللهم النعيم المقيم الذي ﻻ يحول و ﻻ يزول اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا  زدنا علما، اللهم يا معلم إبراهيم علمنا ويا مفهم سليمان فهمنا، اللهم ﻻ سهل إلا ما جعلته سهلًا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا وأصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا وبعد.
فالحمد لله الذي جدد اللقاء وجمعنا من جديد على ذكره سبحانه وتعالى وعلى تذاكر أسمائه و صفاته الحسنى و العليا و نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني و السامعين ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

تحدثنا في الدرس السابق عن معنى حديث؛ (إن لله تسعة و تسعين اسما ..) ثم وقفنا على معنى قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وتحدثنا عن بعض شروط قبول الدعاء، ثم شرحنا اسمين من أسماء الله سبحانه وهو اسمه الرب واسمه الله سبحانه وتعالى.
و اليوم بإذن الله و في هذا الدرس سنشرح ما تيسر من أسمائه سبحانه وتعالى و سنبدأ باسمه سبحانه جل في علاه الواحد الأحد.

(الواحد الأحد) هما اسمان دالان على أحدية الاله ووحدانيته، أي أنه سبحانه- هو المتفرد بصفات المجد والجلال، المتوحد بنعوت العظمة و الكبرياء و الجمال.
الواحد اﻷحد سبحانه وتعالى ذكر هذين الاسمين في كتاب الله سبحانه وتعالى وأيضاً ذكر في السنة النبوية.

نحن طبعاً قلنا سابقاً أنه ﻻ يثبت من أسماء الله تعالى إﻻ ما أثبته الله تعالى لنفسه  وأثبته له نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلا يحل ﻷحد أن يقول على الله في أسمائه و صفاته وشرعه مالم ينزل الله به سلطاناً.
فإذا ذكرنا اسما من أسماء الله تعالى فعلينا أن نثبت هذا الاسم بمرجعيته حيث أنه إما أن يكون له أصل في الكتاب أو له أصل في السنة النبوية المطهرة.

(الواحد اﻷحد) يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيم).
أما في اسمه اﻷحد في السورة العظيمة ثلث القرآن سورة اﻹخلاص يقول الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
الله اﻷحد الواحد سبحانه الذي لم يزل وحده سبحانه، لم يكن معه إله  ولم يكن له شبيه و لم يكن له نظير.

الواحد اﻷحد سبحانه لا إله إلا هو وحده ﻻ شريك له ليس له شبيه في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في كماله ولا في جماله سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
الله سبحانه وتعالى توحد في الكمالات، توحد في اﻷسماء، توحد في الصفات.
الله لا إله إلا هو له اﻷسماء الحسنى سبحانه و تعالى.

اسمه سبحانه وتعالى (الواحد اﻷحد) يوجب على العباد توحيده عقلا و قولاً و عملا  فيعترفون بكماله المطلق سبحانه وتعالى، يعترفون بتفرده بوحدانيته، يفردوه سبحانه وتعالى بأنواع العبادة كلها حيث أنه ﻻ يصح أن تصرف العبادة إلا لله سبحانه وتعالى ﻷنه الواحد اﻷحد المستحق للعبادة وﻻ أحد يستحق العبادة غيره يقول سبحانه وتعالى( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

فهو سبحانه وتعالى الواحد اﻷحد الذي ليس له شريك وﻻ في ذرة في السماوات ولا في الأرض حتى فينا نحن كخلق نحن كلنا ملك لله سبحانه وتعالى هو الواحد المتصرف فينا، هو الواحد الذي يملكنا هو الواحد الذي يرزقنا، هو الواحد الذي يدبرنا، هو الواحد الذي يشفينا، هو الواحد الذي يعطينا، هو الواحد الذي يغفر لنا، هو الواحد الذي يحسن إلينا، الواحد في كل شيء سبحانه وتعالى.
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تجديد التوحيد واﻹيمان؛ ﻷن في تجديد التوحيد واﻹيمان دفع للخير والعمل الصالح، كل ما جدد العبد توحيده  ونطق بكلمة التوحيد ﻻ إله إﻻ الله كلما تجدد في قلبه التوحيد واندفع إلى العمل الصالح واندفع إلى خير اﻷعمال و اندفع إلى كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى.

(من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتبت له مائة حسنة و محيت عنه مائة سيئة و كانت له حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يأت أحد أفضل مما جاء به  إلا أحد عمل أكثر من ذلك).
(ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه و لو كانت مثل زبد البحر).

النطق بكلمة التوحيد استشعار هذه الكلمة، التعبد إلى الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمة، التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتوحيده، التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بمحبته، التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإفراده بجميع أنواع العبادة.

النبي صلى الله عليه وسلم يحدث ابن عباس رضي الله عنه و كان غلاما في السابعة من عمره فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام: (يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)
ﻷنه واحد أحد ﻻ شبيه له وﻻ ند.

هذا الحديث فيه دلالة عظيمة وإشارة عظيمة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، إلى أنه واحد أحد ﻻ شريك له في دعائه وﻻ شريك له في أفعاله وﻻ شريك له في التوجه إليه، إذا سألت أيها العبد فسأل الله وحده و ﻻ تسأل عباده، و إذا استعنت فاستعن بالله وحده و ﻻ تستعين بعباده فهو المستعان- ومن اسمائه المستعان و سيأتي معنا بإذن الله في هذه السلسلة المباركة معنى اسمه المستعان.

فإذا سألت فاسأل الله: هذا ﻻ يعني أن العبد ﻻ يسأل الناس تماما،ً يسأل الناس فيما يقدرون عليه يسأل الناس فيما يستطيعونه لكن حتى مع سؤاله للناس واستعانته بالناس فيما يستطيعونه وما يقدرون عليه يكون بصدق التوكل على الله ووضع اﻷسباب في اﻷيدي ﻻ في القلوب.
الناس أسباب يقودها الله لنا، يسخرها الله لنا، ييسرها الله لنا.

إذاً أوﻻ وأخرا اﻷمر كله لله اﻷمر كله من الله لذلك نجد من الخطأ الدارج على اﻷلسن أن البعض يقول أنا فعلت ما أقدر و عملت اللي علي و الباقي على الله و هذا لفظ غير صحيح و لفظ مخالف- ﻷن الصحيح أن العبد يقول أنا أخذت باﻷسباب و اﻷمر كله لله ﻷن الله تعالى يقول عن نفسه: ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)

إذا ضل وجهل من عبد غير الله، ضل و جهل من توجه إلى غير الله،  ضل و جهل من سأل حاجته من غير الله،  ضل وجهل من استعان بغير الله من توجه لغير الله.
العبد المؤمن العبد الموفق ﻻ يتجه إلا إلى الله الواحد اﻷحد، وﻻ يتوكل إلا على الواحد اﻷحد، يترك جميع ما يصرفه عن عبادة الله سبحانه وتعالى يعلم أن الله تعالى قد تفرد بالخلق، قد تفرد باﻹيجاد، قد تفرد بالرزق، قد تفرد باﻹمداد، قد تفرد بالتدبير، قد تفرد بالبسط، قد تفرد بالقبض، قد تفرد بالنفع والخفض والرفع والضر فهو متفرد بجميع اﻷعمال بجميع اﻷفعال وهذا ماذا يثمر في قلب العبد؟

يثمر في قلب العبد:
أن يتوجه في كل حاجاته إلى الله، و أن يلجأ في كل أموره إلى الله ، ﻷنه يعلم أن إله واحد ﻻ إله غيره، يلجأ في كل حاجاته الضروريات و الكماليات- ليس فقط يقول العبد أنا ﻻ ألجأ إلى الله إلا فيما كانت من ضروريات حياتي اﻷمور التي تعتبر هي أساسيات حياتي فيما عدا ذلك ﻻ يلزم أن ألجأ إلى الله ؛ نقول هذا كلام غير صحيح هذا ينافي حال أهل العلم و حال المرسلين و أتباعهمً فهؤلاء صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم كان أحدهم إذا فقد الملح في بيته يصلي ركعتين و يسأل الله أن يرزقه، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله إذا انقطع) يتوجه إلى الله في كل شيء حتى شسع النعل هذا إذا انقطع أي الحذاء الذي تلبسه إذا انقطع شسعه فتوجه إلى الله وسله أن يصلحه أو أن يهيء اﻷسباب في إصلاحه هذا في أدق الأمور وأتفه اﻷمور التي أنا و أنت نظن أنها أمور تافهة وهي في الحقيقة كلها بإذن الله ﻻ يملكها إلا الله سبحانه وتعالى، يملك كل شيء في أحوالنا في أقوالنا في أعمالنا في أمورنا في حاجاتنا و ﻻ يقضي حاجاتنا إلا هو و لا يتصرف في أمرنا إلا هو  ولا يعطينا إلا هو و ﻻ يمنعنا إلا هو وﻻ يقبض عنا إلا هو وﻻ يبسط لنا إلا هو.
فمن أعظم آثار اﻹيمان باسمه الواحد اﻷحد سبحانه هو صدق التوجه إليه وصدق التوكل عليه سبحانه وتعالى و حسن الظن به.

من أسمائه سبحانه وتعالى: ((الرحمن الرحيم))
و ما أعظم هذين الاسمين، وأسماء الله كلها عظيمة و كلها حسنى، و كلها في غاية الجمال  الجلال والكمال.

الفرق بين اسمين الله (الرحمن، الرحيم)
الرحمن هو: ذو الرحمة الشاملة سبحانه وتعالى لجميع الخلائق في الدنيا  للمؤمنين في اﻵخرة.
أما الرحيم: رحمته للمؤمنين خاصة كما قال سبحانه وتعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا )
الرحمن سبحانه وتعالى و الرحيم أيضاً ذكر هذان الاسمان في كتاب الله سبحانه وتعالى و أعظم دليل على وجود هذا الاسم في كتاب الله سورة بكاملها اسمها سورة الرحمن كذلك الله سبحانه وتعالى يقول: (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ)
و أما اسمه الرحيم: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيم)

الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم ذو رحمة واسعة ذو رحمة عظيمة وسعت رحمته كل شيء: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وعمت رحمته كل حي، رحمته شاملة رحمته واسعة لجميع الخلائق، وﻷنه سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم فهو المستحق أن يؤله وأن يعبد بجميع أنواع العبادات وأن ﻻ يشرك به أحد وأن ﻻ يشرك معه في عبادته أحد من خلقه ﻷنه رحمن رحيم متصف بالرحمة العظيمة التي ﻻ تماثلها رحمة أحد أبداً ، سبحانه رحمته التي ملئت العالم العلوي في السماء و العالم السفلي في اﻷرض يقول: ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا)

برحمته خلق المخلوقات برحمته هدى المخلوقات لمصالحها و لحاجاتها و لما يصلحها، برحمته حصل لهذه المخلوقات كل نعمة' كل نعمة تصل إليك و تصل إلي هي برحمته سبحانه، برحمته دفع عنا النقم، برحمته عرفنا بأسمائه و صفاته واﻵئه، اﻵن هذا المجلس الذي نتذاكر فيه معاني أسماء الله تعالى هو من رحمة الله.

مجالس العلم والذكر من أعظم اﻷماكن والمواقف التي نستدر بها رحمة الله سبحانه وتعالى وﻻ يخفى علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في مجلس يذكرون الله تعالى إﻻ غشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده).

الشاهد: غشيتهم الرحمة.
اﻵن تتغشانا الرحمة من الرحمن من الرحيم ﻷن هذه المجالس هي من آثار رحمة الله سبحانه وتعالى.

من رحمته سبحانه وتعالى يعطينا ما نحتاج إليه، يقودنا إلى ما يصلحنا، يقودنا إلى مصالحنا، من مصالح الدنيا  ومن مصالح الدين، من رحمته سبحانه وتعالى أرسل لنا الرسل و أنزل علينا الكتب و شرع إلينا الشرائع.

من آثار رحمته سبحانه وتعالى وجود جميع النعم و دفع جميع النقم أليس هو القائل: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)ٌ
أما تتفكر في هذه اﻵية في هذا اللفظ العظيم في هذا الكلام العظيم من كلام الله سبحانه وتعالى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ)ٌ
تخيل من كل ما سألتموه، قد يقول قائل:
أنا ما عندي كل شيء، قد سألت الله أشياء ولم يعطني إياها؟
هذا يدل على طبع اﻹنسان وعلى عينه الفارغة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب).

فاﻹنسان مهما كان عنده من نعم فهو يريد أكثر يريد أكثر لذلك هو ﻻ يستشعر قول الله تعالى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) نعم الله آتانا من كل ما سألناه بل آتانا حتى مالم نسأله أعظم نعمة آتانا الله إياها برحمته نعمة اﻹسلام، من منا سأل الله أن يكون مسلما؟!
و الله ما منا من أحد سأل الله أن يكون مسلما لكن اﻵن نسأله أن يثبتنا على اﻹسلام وأن يثبتنا على اﻹيمان وأن يثبتنا على التوحيد وأن يتوفانا عليه، لكن في اﻷصل من الذي برحمته جعلنا مسلمين هو الله سبحانه وتعالى هو الرحمن هو الرحيم.

الرحمن سبحانه وتعالى اسم يدل على الصفة القائمة به.
أما الرحيم اسم يدل على تعلق هذه الصفة بالمرحوم أي بهذا العبد.
الرحمن هذا الاسم من أسماء الله التي ﻻ يجوز أن يسمى بها غيره.
مما ورد في الشرع: من أسماء الله ما يجوز التسمي منها يعني من أسماء الله الكريم فيجوز أن نقول فلان كريم، من أسماء الله الغني فيجوز أن نقول فلان غني، فلان رحيم، فلان صاحب علم، لكن ﻻ يحل لنا أن نقول فلان رحمن؛ فالرحمن من أسماء الله تعالى التي ﻻ يسمى بها غيره: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) ٰ

فسبحانه عادل به الاسم الذي ﻻ يشركه فيه غيره و هو (الله)، نحن ذكرنا في الدرس الماضي أن اسمه سبحانه الله ﻻ يسمى به أحد أبداً و ﻻ يجوز أن يطلق على مخلوق و يقال له الله معبود أو غير معبود.

يشترك مع اسم الله في عدم الجواز تسميه أحد به الرحمن لذلك هنا في اﻵية التي في سورة اﻹسراء قرن سبحانه وتعالى بين اسمه الله وبين الرحمن ﻷن كلا الاسمين ﻻ يجوز أن يسمى بهما محلوق.
أما الرحيم فهو وصف جائز على الخلق، و يجوز أن يسمى به الخلق؛ بل الله سبحانه وتعالى وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)

إذاً من أسماء الله الحسنى ما يسمى به غيره كالعليم الرحيم الكريم الغني هذه كلها كما ذكرت، و منها ماﻻ يسمى به غيره كاسمه الله الرحمن الخالق الرازق هذه كلها أسماء ﻻ يجوز أن نسمي بها غير الله سبحانه وتعالى.

اسم الرحمن يوجب عبودية الرجاء و التعلق برحمة الله  وعدم اليأس من رحمة الله، أنا لما أعلم أن ربي رحمن رحيم هذا يوجب لي المحبة أولاً؛ نحن قلنا في الدرس الماضي أن المحبة هي أثر ثابت في جميع آثار أسماء الله تعالى ﻷن من عرف الله أحبه ﻻ محالة كما قال ابن القيم من عرف الله أحبه ﻻ محالة.

إذاً أثر المحبة هو أثر ثابت في جميع أسماء الله سبحانه وتعالى فكلما عرف العبد ربه كلما أحبه وكلما تعلق به و كلما تودد إليه و كلما تقرب منه.
فمعرفتي ومعرفتك وإيماننا باسمه الرحمن الرحيم يوجب لنا صدق العبودية و صدق الرجاء و صدق التعلق به سبحانه وتعالى.

الله سبحانه وتعالى إذا آمنا باسمه الرحمن الرحيم يوجب لنا ذلك أثر عظيماً أخر أﻻ وهو:
عدم اليأس من رحمة الله وعدم القنوط من رحمة الله وعدم استبطاء الفرج وعدم استبطاء النصر ﻷنه يجب أن نكون على ثقة بأن ما يحدث لنا رحمة و بأن ما يحدث للأمة رحمة و بأن ما يحدث للمستضعفين رحمة أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها..)؛ لما رأى تلك المرأة في السبي التي أخذت الصبي ابنها أو صغيرها رضيعها أو حبيبها فألصقته في صدرها و أرضعته رحمة به؟!

 النبي صلى الله عليه وسلم استغل هذا الموقف مذكرا صحابته رضوان الله عليهم أجمعين برحمة أرحم الراحمين لله أرحم بعباده من هذه بولدها.
الله أرحم بك من أمك الذي ولدتك، الله أرحم بابنك وابنتك منك أنت التي أتيت بهم وولدتيهم ورعيتهم وأرضعتيهم الله أرحم بهم منك، الله أرحم بأولئك المستضعفين بأولئك المقهورين بأولئك المشردين بأولئك المظلومين الله أرحم بهم، نحن نرحم عباد الله لكن الله أرحم بعباده من أمهاتهم لماذا بالذات من أمهاتهم لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم من أبائهم؟

ﻷنكم كما تعلمون أن اﻷم هي أرحم الناس بأوﻻدها، فالله أرحم من تلك اﻷم وهو أرحم الراحمين سبحانه وتعالى له مائة رحمة أنزل رحمة واحدة يتراحم بها العباد بينهم وجعل عنده تسعة وتسعين رحمة سيرحم بها العباد يوم القيامة.

نسأل الله أن يدركنا برحمته وأن يتفضل علينا برحمته في الدنيا والآخرة.
استشعاري برحمة الله سبحانه وتعالى إيماننا باسمه الرحمن باسمه الرحيم يوجب لنا الحياء من الله.
الله تعالى حينما أنعم علينا فقد رحمنا، ينعم علينا ونحن نعصيه، يعطينا و نحن نمنع عن عباده، يرحمنا و نحن نقسو على عباده فهذا يوجب لنا الحياء من الله كما جاء في الحديث القدسي: خيري إليهم نازل و شرهم إلي صاعد أتقرب إليهم بالنعم و يقتربون إلي بالمعاصي.
هذا الحديث فيه نظر- لكن معناه صحيح.

الله يتقرب إلينا بالنعم وينعم علينا ليل نهار وها نحن أخواتي نتقلب في النعم ليل نهار رغم ذلك كيف نتعامل مع الله كيف نقوم بطاعة الله ما حالنا مع الصلاة ما حالنا مع الصدقة ما حالنا مع اﻹحسان إلى عباد الله ما حالنا في الخلوات ما حالنا في قيام الليل ما حالنا في صيام النهار ما حالنا في شرع ربنا ما حالنا في حجابنا ما حالنا في تربية أبناءنا ما حالنا في تعليم أمتنا ما حالنا في بناء مجتمعاتنا ما حالنا؟!

الله ينعم علينا بالليل و النهار ما حالنا في شكر النعم ينعم علينا ليل نهار و نحن ما حالنا مع هذه النعم هل أدينا شكر النعمة، هل أدينا شكر نعمة البصر هل أدينا شكر نعمة الكلام و اللفظ هل أدينا شكر نعمة الرجلين و القدمين التي نمشي بها هل أدينا شكر نعمة اليدين التي نبطش بهما و نتحرك بهما و نأكل بهما كم من النعم( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) و كلها برحمة الله.
والله لو أهلك الله أهل سماواته وأهل أرضه كما جاء في اﻷثر: (لو أهلك الله أهل سماواته وأهل أرضه ما ظلم منهم من أحد).
و مصداق ذلك في كتابه سبحانه وتعالى: ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)

و الله تعالى يقول: ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)
فمن رحمة الله سبحانه وتعالى ومن آثار رحمة الله تعالى أنه فتح لنا باب التوبه، أنه حليم علينا سبحانه وتعالى.
حينما نذنب حينما نعصي حينما نقصر حينما نتجاوز حينما نجني على أنفسنا الله تعالى رحيم بنا يترك لنا وقتاً و فرصة وحيناً حتى نتوب حتى نعود حتى نرجع حتى نؤب وهذا من آثار رحمته سبحانه وتعالى.

اعلم و كن على يقين و كن على غاية الثقة بأن كل ما أنت فيه هو رحمة من رب العالمين، لو كنت في غنى فهذه رحمة لو كنت في فقر فهذه رحمة لو كنت في مرض فهذه رحمة لو كنت في عافية فهذه رحمة أي حال أنا و أنت فيه فهو رحمة من الله فلنستشعر رحمة الله سبحانه وتعالى و لنعلم أن الله سبحانه وتعالى حينما يرحمنا ﻻ يريد منا شيء هو يرحمنا ﻷنفسنا هو يرحم ﻷنه رحيم بنا هو يرحم ﻷنه يحبنا سبحانه وتعالى.

من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل لنا جنة عرضها السموات والأرض، خلق تلك الجنة خلق سكانها خلق أعمالها، برحمته سبحانه وتعالى جعل لنا النجاة من النار برحمته سبحانه وتعالى أعاذنا برضاه من سخطه و بعفوه من عقوبته و من نفسه بنفسه؛ أليس نحن نقول في دعاءنا الذي علمنا إياه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إنا أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك و بك منك ﻻ نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

من تمام رحمته سبحانه وتعالى أن جعل فينا الغني أن جعل فينا الفقير أن جعل فينا العزيز الذليل القادر العاجز الراعي المرعي كل هؤلاء بجميع مستوياتهم و بجميع مراحلهم و بجميع درجاتهم كلهم فقراء إلى الله كلهم فقراء إلى رحمة الله ﻻ أحد مهما علت منزلته و مهما عزت مكانته و مهما اغتنى من ماله و اغتنى من الدنيا و ارتفع و علا و شمخ هو في اﻵخير فقير إلى رحمة أرحم الراحمين: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ،، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)

أوسع المخلوقات عرشه سبحانه وتعالى، وأوسع الصفات رحمته، وهذه فائدة لطيفة جداً ذكرها العلماء وذكرها ابن القيم رحمه الله:
أوسع المخلوقات عرشه سبحانه وتعالى: (أعظم مخلوق هو العرش)، وأوسع الصفات رحمته(صفة الرحمة)، فاستوى على عرشه  الذي هو أوسع المخلوقات بصفة الرحمة التي وسعت كل شيء لذلك قال سبحانه: ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ)
فلما استوى على عرشه بهذا الاسم-باسمه الرحمن-جعل مقتضى هذا الاسم على نفسه كتاباً كتبه عنده وضعه على عرشه .

كتب الله على عرشه كتاباً "كتب إن رحمتي سبقت غضبي" فكان هذا الكتاب الذي كتبه الله على نفسه كالعهد منه سبحانه للخليقة كلها، عهد على نفسه بالرحمة؛ فما دام أنه كتب على نفسه الرحمة كما قال سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة
فإذاً سيعفو عنهم سبغفر لهم سيتجاوز عنهم سيمهلهم سيحلم عنهم ليعودوا ليتوبوا ليرجعوا ليشكروا ليستشعروا هذه الرحمة وتلك النعمة.
دليل ما قلت قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه.
لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي.
فالرحمن سبحانه وتعالى الذي يرحمنا و ينعم علينا ليل نهار ورحمته وسعت كل شيء يقول سبحانه: ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )

يأتي هنا أسباب نيل رحمة الله سبحانه وتعالى قال تعالى: ( ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا) لمن ستكتبها يا رب؟ ( فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)
اﻹيمان والتوحيد أعظم سبباً لنيل رحمة الله.
التوحيد أعظم سبب حتى ننال رحمة الله، التوحيد و ﻻ شيء غير التوحيد.
الله يرحم بتوحيد ما لم يرحم بأي عمل؛ نتقرب إلى الله بتوحيده، نتقرب إلى الله بلا إله إلا الله، نتقرب إلى الله بافراده بالعباده بأنه الواحد اﻷحد الفرد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.
أعظم ما نتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى هو التوحيد هو ﻻ إله إﻻ الله: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ)

فمن أراد أن ينال رحمة الله تعالى فليصحح توحيده وليتق الله في توحيده كل ذنب يهون إﻻ أن نقع في مخالفة التوحيد ومخالفة هذه الكلمة العظيمة ﻻ إله إلا الله.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بصدق التوكل عليه و حسن الظن به سبحانه وتعالى وأسأله سبحانه وتعالى أن ييسر لنا العلم النافع والعمل الصالح، و أن يغفر لنا ذنوبنا، و إسرافنا في أمرنا، و يصلح لنا شأننا كله إنه ولي ذلك و القادر عليه، اللهم ارزقنا من الفهم عنك و عن نبيك ما نبلغ به منازل النبيين و نحشر به في زمرة العلماء العاملين برحمتك  يا أرحم الراحمين ، اللهم أكرمنا و ﻻ تهنا و أعطنا وﻻ تحرمنا و آثرنا وﻻ تؤثر علينا و ارضنا و ارض عنا و اغفر الذي كان منا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا رحمة من عندك تغنينا بها عن رحمة من سواك اللهم يا أرحم الراحمين ارحم أمة محمد رحمة واسعة شاملة تعز بها أحبابك و أولياءك و تذل بها أعدائك و أعداء دينك يا أرحم الراحمين اللهم أرفع الغمة عن اﻷمة برحمتك يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
و صلى الله و سلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان والله و رسوله بريئان مما أقول.
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت استغفرك و أتوب إليك.

تفريغ طالبة علم 
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها
مراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله