الدرس الثامن عشر في شرح أسماء الله الحسنى. ((العفو))

اسم الله ((العغو)) جلّ جلاله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم ربنا لك الحمد كله و لك الملك كله و بيدك الخير كله و إليك يرجع اﻷمر كله علانيته و سره فأهل أنت تحمد و أهل أنت تعبد إنك على كل شيء قدير.
اللهم ربنا لك الحمد حمدا كثيراً طيبا مباركا فيه حمدا يوافي نعمك و يكافئ مزيدك و ﻻ منتهى له دون علمك و ﻻ حد ﻷخره إلا رضاك يا أرحم الراحمين.
اللهم و نصلي و نسلم و نبارك على حبيبينا و قرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.

في هذه الليالي المباركة و في هذه الليلة المباركة من ليالي رمضان ليلة الرابع و العشرين من شهر رمضان نشرح بإذن الله تعالى اسمه سبحانه جل في علاه((العفو))
و كان إختيار هذا اﻹسم كما هو معلوم عند الجميع أن هذا اﻹسم هو الذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم و أرشد عائشة رضي الله عنها بأن تدعو الله تعالى في هذه الليالي بهذا اﻹسم حيث أنها سألته صلى الله عليه وسلم إذا وافقت ليلة القدر فبما تدعو و ماذا تقول فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تدعو الله باسمه العفو فتقول" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا".

العفو سبحانه ورد هذا اﻹسم في آيات كثيرة في القرآن الكريم منها قوله تعالى:
(و إن الله لعفو غفور) و قوله جل ثناؤه:
(و كان الله عفواً غفورا)
لكن ما معنى العفو؟
العفو سبحانه هو الذي يمحو السيئات و يتجاوز عن المعاصي و هذا اﻹسم قريب من الغفور لكن سبحان الله العفو أبلغ من الغفور لماذا؟
ﻷن الغفران يعني الستر فالله يستر على عبده.
الغغور يستر على عبده في الدنيا ذنوبه ثم يغفرها له يوم القيامة بعد أن يقرره بها.
أما العفو سبحانه فهو الذي يمحو تلك الذنوب.
و المحو أبلغ من الستر.

فسبحانه و تعالى عفوه في حق عباده بأن يعفو عن سيئاتهم فيمحوها و ﻻ يبقي لها أثرا.
العفو في حق الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب فيمحوها الله تعالى من ديوان الكرام الكاتبين؛ يمحو الله ذنوبك يمحو العفو ذنوبك من الديوان.
أي ديوان؟
الديوان كتابك الذي كتبت فيه أعمالك من حسنات و سيئات و  صغائر و كبائر.
فالعفو سبحانه إذا عفى عن العبد محى تلك الذنوب و تلك السيئات و تلك الفضايح محاها سبحانه بكرمه وعفوه من ديوان الكرام الكاتبين الذين كانوا يدونون على هذا العبد تلك الذنوب بل و لا يطالب بها يوم القيامة و ينسيها من قلوبهم حتى ينساها العبد، إذا عفى الله عنك محى ذنوبك و أنساك إياها.
لماذا ينسيها من قلوبهم؟
حتى ﻻ يخجلوا عند تذكرها؛ و زيادة كرم منه سبحانه وتعالى العفو الكريم أنه يثبت مكان كل سيئة حسنة
يمحو تلك السيئات و يثبت مكانها حسنات ببره و إحسانه.

من آثار هذا اﻹسم العظيم:
أن الله هو العفو الذي له العفو الشامل الذي وسع مايستر عن عباده من الذنوب و السيئات بالذات إذا أتى هؤلاء العباد بما يوجب العفو عنهم.
الله يعفو نعم و هو كريم و ﻻ ينتظر من عباده مقابل و ﻻ هو في حاجة إلى المقابلة لكن يريد من عباده أن يبذلوا أسباب العفو، أن يأتوا بما يوجب العفو عنهم و من تلك اﻷسباب التي توجب العفو من العفو سبحانه:
كثرة الاستغفار
و التوبة النصوحة الصادقة
اﻹيمان بالله سبحانه وتعالى و
 تحقيق التوحيد 
الاستكثار من اﻷعمال الصالحة
اﻹستكثار من الحسنات الماحية: و أتبع السيئة الحسنة تمحوها
الحسنات الماحية.

 كذلك من موجبات العفو:
المصائب المكفرة التي يبتلي بها العبد لكن قد يقول العبد و لكن ما شأني أنا في المصائب الله الذي يبتليني فكيف أنا أفعل؟
هل أنا أفعل هذه المصائب لنفسي حتى أستحق عفو الله؟
بالتأكيد لا و لكن المعنى أن العبد إذا ابتلي بتلك المصائب فصبره و احتسابه و رضاه عن ربه من أعظم أسباب العفو عنه و تكفير سيئاته فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات.

كذلك من آثار هذا الاسم العظيم:
كمال عفوه سبحانه وتعالى فمهما أسرف العبد على نفسه مهما فعل من الذنوب مهما وقع في السيئات مهما مهما فعل ثم تاب وصدق التوبة و رجع إلى ربه و أنا إلى ربه غفر له سبحانه جميع ذنوبه كفر عن جميع ذنوبه:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) عفو سبحانه.
من آثاره عفوه:
أنه يعفو مع قدرته على خلقه و على تعذيبهم على عقابهم فهو عفو قدير سبحانه.
عفوه ليس من نقص و ﻻ من ضعف بل عفوه سبحانه عفو يليق بجلاله عفو مع القدره فهو إن شاء عذبهم و إن شاء عاقبهم و إن شاء خسف بهم من تحت أرجلهم و لكنه سبحانه يعفو عنهم بكرمه برحمته بإحسانه بسعته:
( إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)

العفو سبحانه وتعالى إذا عفا عنك وفقك للخير أعانك على العبادة أعانك على الطاعة يسر لك طريق العبادة و الطاعة و الحسنات جعلك عبدا موفقا.
لذلك:
على العبد أن ﻻ يقنط من رحمة الله مهما فعل من ذنوب مهما وقع من سيئات مهما فعل من معاصي حتى لو من كبائر عليه أن لا يقنط من رحمة الله ﻷنه هو الغفور سبحانه وتعالى.

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم  قد كبر في السن  و رق عظمه و شاب شعره و سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر الذي وصل فيه.
فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام هل من توبة
 إذا هو أسلم هل له من توبة؟
هل يعفو الله عنه هل يغفر له الذنوب و السيئات بعد هذا العمر المديد من المعاصي و الذنوب؟
النبي صلى الله عليه وسلم قال له نعم يغفر لك إن أنت شهدت أن ﻻ إله إلا الله و أن محمداً رسول الله.
فقال له الشيخ و غدراتي و فجراتي التي مضت في حياته فجوره ذنوبه معاصيه
و النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم و يقول له وغدراتك و فجراتك أي يغفر الله لك حتى غدراتك و فجراتك.
فولى الرجل يكبر و يهلل و يشهد أنه ﻻ إله إلا الله و أن محمداً رسول الله هكذا يطمع العبد في رحمة الله.

ما حظ المؤمن من هذا الاسم؟
الله يحب من عباده أن يسعوا في تحصيل اﻷسباب التي ينالون بها عفو الله تعالى.
و من تلك اﻷسباب السعي في مرضاة الله و نحن في هذه اﻷيام في شهر السباق و التنافس و المسارعة( وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
حري بنا أن نستغل ما بقي من ساعات لا أقول من أيام ﻷنها لم تعد أيام بل أصبحت ساعات كم بقي على إنقضاء أيامنا المباركة هذه.

فعلى العبد أن يسعى سعيا حثيثا في نيل مرضاة الله بفعل ما يوجب له رضا الله و يوجب له عفو الله
كذلك أن يحسن إلى خلق الله و أن يتضرع إلى الله تعالى بأن يتجاوز عن سيئاته و عن ذنوبه و أن يعفو عنه و يعفو عن من ظلمه.
الله بين لنا أن من صفات المؤمن و من الصفات التي يوجهنا الله إليها و يرشدنا إليه و يحثنا عليها العفو:
( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)
فحظ العبد من عفو الله بقدر حظ العباد من عفو ذلك العبد.

فحينما يعفو العبد عن من ظلمه بل يزيد مع عفوه عمن ظلمه يزيد باﻹحسان يحسن إليه و هذا يأخذه من صفة الله تعالى أنه سبحانه يحسن حتى إلى الكفرة و العصاه و ﻻ يعاجلهم بالعقوبة،و يعفو عن المؤمنين و يمحو عنهم الذنوب و السيئات
بل يعفو عن الكافر صاحب الكبيرة إذا تاب و أناب و عاد إلى التوحيد و إلى طاعة الله تعالى فليتعلم العبد العفو من اسمه العفو.
من أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن عباد الله.

و قد أخبر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين أثنى عليهم أنهم يدعون ربه قائلين:
( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
و ذكرنا في بداية حديثنا أن عائشة حينما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عما تقوله في ليلة القدر إن هي علمتها فماذا علمها اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
هذا يعني أن أفضل ما يفعل في ليلة القدر هو سؤال الله العفو.

و قد كان من دعاء  النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك
فليعفو العبد عن عباد الله لينال عفو الله تعالى و ليصفح عن عباد الله لينال الصفح من الله تعالى
فكما تعامل عباده يعاملك الله سبحانه وتعالى:
( وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)
و جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال و مازاد الله عبد بعفو إﻻ عزا.

كلما عفى العبد عن عباد الله كلما زاده الله عزة و زاده مكانة و رفع شأنه و رفع مكانته ﻷنه عفا عن عباده فيا من أردت عفو الله في هذه اﻷيام خاصة و في هذه الليالي المباركة خاصة و في حياتك عامة فاعف عن عباد الله و أعف عن خلق الله.

أخيراً أقول:
حينما تسأل الله العفو فعليك أن تستشعر ما يتضمنه هذا الدعاء من معان عظيمة.
حينما تدعو الله فتقول اللهم إنك عفو تحب العفو عنا هذه الدعوة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها فاستشعر معناها
استشعر أن العفو هنا هو:
عفو في اﻷبدان و عفو في اﻹيمان و عفو في اﻷديان.
 فعفو اﻷبدان هو شفاء لكل داء.
و عفو في اﻹيمان هو توفيق العبد إلى الخير و إلى العبادة و إلى أعمال اﻵخرة
و عفو المنان هو
الصفح و العفو و الغفران من الله سبحانه وتعالى بحيث يمحو عنك الذنب و يترك العقوبة بل و يبدل مكان الذنب حسنات.
فعفوه سبحانه وتعالى أن يعطيك ما تسأل و يعطيك فوق ماتسأل.

قال ابن القيم رحمه الله:
فإن عفا الله عنك أتتك حواجئك بدون مسألة.
نسأله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا و يتجاوز عنا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
هذا و الله أعلم

إن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها


إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله