الدرس الحادي والعشرون من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله: ((العزيز))

اسم الله((العزيز))
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد.
نشرح بإذن الله في درسنا اسم الله(العزيز)

العزيز جل جلاله ورد هذا اﻹسم العظيم في القرآن الكريم كثيراً و من ذلك قول الله سبحانه وتعالى:
( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
العزيز سبحانه وتعالى يدل على القوة و الغلبة و العزة و القهر الامتناع.
العزيز سبحانه يأتي بمعنى الخطير الذي يقل وجود مثله و تشتد الحاجة إليه و يصعب الوصول إليه فمالم تجتمع عليه هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز؛ فكم من شيء يقل وجوده لكن سبحان الله ﻻ يعظم خطره.
ويكون قليل الوجود لكن وجوده ﻻ يعني خطره و لم يكثر نفعه قد يكون الشيء موجود لكن ﻻ يحتاج إليه لذلك ﻻ يسمى عزيز ؛ كالشمس و اﻷرض مثلاً نفعها عظيم في كل واحد منهما و الحاجة شديدة إليه و لكن ﻻ نصفهما بالعزة ﻷن لهما نظير في الكون و ﻻ يصعب الوصول إلى مشاهدتهما الكل تشرق عليه الشمس و يعيش على هذه اﻷرض فلا يسميان عزيزا سواء الشمس أو القمر كمثال.

إذاً ﻻ بد من إجتماع المعاني الثلاثة كما ذكره اﻹمام الغزالي رحمه الله في معنى العزيز.
العزيز المطلق الحق هو الله سبحانه غالب ﻻ يغلب قاهر ﻻ يقهر شديد المحال ﻻ مثل له و ﻻ نظير الحاجة إليه في كل لحظة بل تشتد إليه الحاجة في كل لحظة و يصعب الوصول إليه سبحانه وتعالى فلا أحد يستطيع أن يصل إليه سبحانه وتعالى سواءً وصولاً معنوياً أو وصولاً حسيا أما الوصول المعنوي فيكون بكثرة التقرب إليه سبحانه بأنواع العبادات و الطاعات و القربى إلى الله سبحانه وتعالى ماهي إﻻ توفيق من الله إن وفق العبد بأن يكون قريباً منه و يسر له سبل الهداية فإن هذا العبد يصبح موفقا يصل إلى العزيز و يصعب الوصول إليه مادياً و ليس معنوياً فلا يستطيع أحد أن يصل إلى الله تعالى و إلى عظيم خلق الله و ﻻ إلى علو الله سبحانه وتعالى و كل ذلك و ﻻ أحد يستطيع أن يراه  إﻻ يوم القيامة حينما يكتب الله سبحانه وتعالى ﻷهل الجنة بفضله و كرمه لذة النظر إلى وجه الكريم سبحانه وتعالى.

العزة لها ثلاث معاني و كلها معان كاملة لله قد يسمى العبد عزيزا و لكن عزته ناقصة كل عبد عزيز كل مخلوق عزيز فهو ناقص العزة لكن الله تعالى له العزة المطلقة.
المعنى اﻷول للعزة:
عزة القوة الدال عليها من إسمائه سبحانه:
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
فلا تنسب إليه قوة المخلوقات و إن عظمت:
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)
فعزة القوة خاصة لله سبحانه وتعالى.

النوع الثاني من العزة:
عزة اﻹمتناع:
ماذا يعني عزة الامتناع؟
أي أنه الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد و ﻻ يبلغ العباد ضره فيضرونه و ﻻ يبلغ العباد نفعه فينفعونه بل هو سبحانه الضار النافع المعطي المانع لما مانع لما أعطى و ﻻ معطي إذا منع و ﻻ مقرب لما باعد و لا مباعد لما قرب سبحانه وتعالى.
فعزة الامتناع تعني أنه سبحانه مستغني عن خلقه ﻻ يحتاج إلى أحد و الكل محتاج إليه.

المعنى الثالث من معاني العزة:
عزة القهر و الغلبة.
ماذا تعني عزة القهر و الغلبة؟
أي أن كل الكائنات مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته كل نواصي الخلق بيده سبحانه ﻻ يتحرك منها متحرك و ﻻ يتصرف منها متصرف إﻻ بحوله و قوته ثم ما شاء الله كان و ما لم يشاء لم يكن و ﻻ حول ولا قوة ﻷي مخلوق إﻻ به سبحانه.
و من قوته أنه خلق السماوات العظام و اﻷرض و ما بينهما في ستة أيام.
خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم يحاسبهم ثم يعاقبهم ثم يدخله جناته أو ناره و كل ذلك من معاني العزة عزة القهر و الغلبة كلنا مقهورون بعزة الله مقهورون بقضاء الله مقهورون بقدر الله.

فلا أحد من الخلق يستطيع أن يقف أمام قوة الله و عزة الله و أمر الله و قضاء الله و قدره سبحان العزيز.
العزيز و عزة الله اقترنت بقوته و قدرته و حكمته و رحمته.
حينما ذكر اسم العزيز سبحانه في القرآن ذكر أكثر من ثمانين مرة.
و غالباً ما يصحب هذا اﻹسم بإسم آخر مالسر في هذا؟
ﻷن العزيز وصف قوة كما ذكرنا و غلبة وقهر و سيطرة و انتقام .
فالعزيز سبحانه وتعالى مع قوته و اقتدراه و غلبته و سيطرته و انتقامه و قوته إﻻ أنه منزه من الظلم و الجور و لذلك الله سبحانه وتعالى لما قال في سورة هود في شأن قوم صالح:
(فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
ﻷنه انتقم من المجرمين من المفسدين الذين أفسدوا في اﻷرض فجاءت هذه اﻵية يناسبها أن يقترن باسمه العزيز القوي ﻷنه سبحانه وتعالى حينما دمر قوم صالح ناسب ذلك أن يكون ذلك عن عزة و قوة كما قال سبحانه عن فرعون و قومه:
(كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ)

قد يظن الجاهل أن العزة فيها شيء من الظلم و الجور أو التعذيب بلا حساب و قد يقع في نفسه أن عزة الله قد ينتابها شيء من التعذيب بلا حساب أو الظلم أو الجور لذلك الله سبحانه وتعالى قرن هذه العزة بصفات آخرى و قرن إسمه العزيز بأسماء آخرى فتارة نجدها مقترنة:
بالقوة القوي العزيز.
و تارة نجدها مقترنة بالحكمة العزيز الحكيم.
و تارة نجدها مقترنة بالرحمة العزيز الرحيم سبحانه وتعالى.
و تارة نجدها مقترنة بأسماء القداسة  و التسبيح و اﻹجلال و الجلال و الكمال العزيز الحميد سبحانه وتعالى.

ليعلم اﻹنسان أن عزة الله حكيمة حينما نقول العزيز الحكيم فعزة الله حكيمة ﻻ جور و ﻻ طغيان.
عزة الله تعالى فيها رحمة و بعض الناس يتوقع أن العزة تنافي الرحمة فحتى يكون الله عزيزا ﻻ ينفع أن يكون رحيما أو إن كان رحيما ﻻ ينفع أن يكون عزيزاً فهذا جهل فالله الحق سبحانه وتعالى عزيز قوي مقتدر جبار مع ذلك فهو سبحانه رحيم.
و كذلك ﻻ يحمد العزيز من الناس إﻻ نادراً لكن عزة الله تعالى محمودة على كل حال و هذا قولنا في جميع أسماء الله وصفاته أنها محمودة على كل حال.
أسماء الرحمة أسماء الشدة و القوة و الرأفة كلها محمودة على كل حال.
فمن أسمائه الحميد و قد مر علينا هذا اﻹسم.

هذا اﻹسم العظيم ماهو أثر اﻹيمان به؟
حينما يؤمن المؤمن بأن الله عزيز و يكون موقنا بأن هذه العزة عزة كاملة عزة تحمل جميع أنواع الكمال و الجمال و الجلال ليعلم أن اﻹيمان بالله العزيز يولد في نفسه استشعار القوة ﻷنه ربه عزيزاً منيع ﻻ يرام جنابه ﻻ يقهر لا يغلب شديد قوي ﻻ مثل له و ﻻ نظير سبحانه فيعود ذلك من أثر على قلب العبد من الراحة و السكينة أن إلهه عزيزاً سبحانه وتعالى فإذا تعلق به فله العزة لهذا العبد من اعتز بالله أعزه الله من اعتز بالله رفعه الله من اعتز بالله شرفه الله و رفع كرامته سبحانه.

من آثار اﻹيمان بهذا اﻹسم:
أن العبد العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله إذاً ما معيار العزة لهذا العبد؟
متى نستطيع أن نقول أن هذا العبد عزيزاً كتى نستطيع أن نقول ذلك؟
حينما يعز العبد بطاعة الله حينما يعز هذا العبد ربه يعز الرب عبده فيكون هذا العبد عزيزاً حينها نقول هذا العبد عزيز(وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
اﻹهانة هنا جاءت صفة لمن عبدوا غير الله لمن أشركوا مع الله لمن عبدوا مع الله إلها آخر فكان لهم الهوان و الذلة و الصغار أما أولياء الله و أحباب الله أما عباد الله الصالحين هم الذين أعزهم الله بطاعته.
و كما قال الصحابي الجليل نحن قوم أعزنا الله باﻹسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله و هذه قاعدة عامة:
من ابتغى العزة في غير طاعة الله من ابتغى العزة في غير دين الله من ابتغى العزة في غير أمر الله من ابتغى العزة في غير شرع الله أذله الله أهانه الله.

حظ المؤمن من هذا اﻹسم:
أن يؤمن بربه أن يخضع لربه العزيز أن يحتمي بربه أن يلجأ إليه أن يعتصم به أن يتوكل عليه.
فالله تعالى العزيز ﻻ يترك من اعتز به من اعتز بربه و تعلق بربه أعزه الله و أذل عدوه و قد حكم الله تعالى سبحانه أن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين كما قال في سورة المنافقين(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
على أن إيمان العبد بعزة الله تعالى تبارك وتعالى يثبت في قلبه أن النصر و الغلبة من عند الله.

إذا آمنت بأن الله هو العزيز إذاً من أين يأتي النصر؟ من العزيز
من أين تأتي الغلبة ؟
من عند العزيز:
(و ما النصر إﻻ من عند الله العزيز الحكيم)
حينئذٍ هذا العزيز ﻻ يخشى مخلوقا و ﻻ يذل لمخلوق ﻷنه عرف ربه حق المعرفة و قدر ربه حق قدره و هذا في نفسه كل أولئك الجبابرة و كل أولئك الطغاه و كل أولئك المنافقين الذين يمنحون ولائهم للكافرين فهو معتز بربه  ﻻ يضره من خالفه ما دام على أمر الله و على طاعة الله و أن أولئك الظلمة و الطغاه و المجرمين الذين استشعروا العزة بالظلم و استشعروا العزة باﻹجرام و الطغيان فإنهم مهما بلغت قوتهم و كثر جنودهم فإنهم ليسوا بشي بجانب عزة الله و قوة الله و جبروت الله و قهر الله.

العزيز من العباد يحتاج إليه العباد في أهم أمورهم العبد العزيز بطاعة الله ليس عزيزاً بنسبه و ﻻ بحسبه و ﻻ بماله و لا بوظيفته و لا بمكانته اﻹجتماعية و ﻻ بجماله و لا بكماله إنما العزة في طاعة الله من كان عزيزاً بطاعة الله احتاج إليه العباد في جميع أمورهم ؛و أعظم اﻷمور التي يحتاج العباد إليها أو فيها إلى هذا العبد اﻷمور اﻵخروية و السعادة اﻷبدية.

حينما يصل الله تعالى بهذا العبد إلى رتبة اﻷنبياء الدعاة إلى الله الذين يأخذون بأيدي الناس و بقلوبهم من الذل و الهوان و عبادة غير الله و التوكل على غير الله و التعلق بغير الله يأخذون بأيديهم إلى طاعة الله يأخذونه من الطريق العوج إلى الصراط المستقيم يأخذون بهم من الضلال إلى الرشاد و هؤلاء هم اﻷعزاء عند الله الذين أعزهم الله فاحتاج لهم الخلق في أن يصلوا إلى هذه العزة قلنا ليست عزة المال و ﻻ عزة الجاه و ﻻ النسب إنما هي عزة الطاعة إنما هي عزة التوحيد حينما يكون العبد موحداً لله سبحانه وتعالى مؤمناً بالله تعالى سليم التوحيد قوي اﻹيمان بالله يكون عزيزاً عند الله و بين الناس يلقي الله في قلوب الناس محبته ﻷنه اعتز بالله ﻷنه قلبه امتلى بحب الله بتوحيد الله.

فمن أراد العزة فإن العزة لله جميعاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعزنا بطاعته و أن ﻻ يذلنا بمعصيته و أن يعزنا بصدق التوكل عليه و ﻻ يذلنا بالتعلق باﻷسباب و بالخلق و المخلوقين نسأله سبحانه وتعالى العزة فإن العزة له و لرسوله و للمؤمنين نسأله سبحانه وتعالى أن يعز اﻹسلام و المسلمين و أن يعز أوليائه و أحبابه و أن يعز المجاهدين و أن يعز الطائعين و أن يعز الصالحين و أن يهدي العصاة و المذنبين و أن يجعلنا جميعاً ممن تقرب إليه فقبلهم و أعزهم و رفع مكانتهم و يرزقنا و إياكم جميعاً صدق التوكل عليه هذا و الله أعلم إن أصبت فمن الله و أن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.
اللهم صل و سلم و بارك على محمد.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله