الدرس الثاني والعشرون من أسماء الله الحسنى اسم الله: (القاهر، القهار)

اسم الله: (القاهر، القهار) جل جلاله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم ربنا لك الحمد كله و لك الملك كله و بيدك الخير كله و إليك يرجع اﻷمر كله علانيته و سره فأهلا أنت تحمد و أهلا أنت تعبد إنك على كل شيء قدير.
اللهم لا مانع لما أعطيت و ﻻ معطي لما منعت اللهم لا مقرب لما باعدت و لا مباعد لما قربت اللهم لا قابض لما بسطت و ﻻ باسط لما قبضت اللهم أبسط علينا بفضلك و جودك و رحمتك ما أنت له أهل و نسألك اللهم النعيم المقيم الذي ﻻ يحول و ﻻ يزول.
و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد.
سنشرح بإذن الله تعالى في هذا الدرس اسميه سبحانه وتعالى جل في علاه(القاهر القهار) سبحانه وتعالى.

من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى جل في علاه(القاهر القهار).
ورد اسمه القاهر سبحانه وتعالى في قوله تعالى:
( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)
و ورد اسمه القهار في قوله:
( هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
و لكن مالفرق بين القاهر و القهار؟
كما ذكر أهل العلم أن القهار أبلغ من القاهر.
فالقهار هو كثير القهر.

ماذا يعني كثير القهر؟
أي هو الذي سبحانه يقصم ظهور الجبابرة من أعدائه فيقهرهم باﻹماته و يقهرهم باﻹذلال بل ليس هناك موجود إﻻ و هو مسخر تحت قهره سبحانه.
و هو الذي قهر جميع الكائنات و ذلت له جميع المخلوقات و دانت لقدرته و مشيئته مواد عناصر العلوي و السفلي كل مخلوق في العالم العلوي و السفلي قد دان لقدرته و مشيئته سبحانه وتعالى فلا يحدث حادث و ﻻ يسكن ساكن إﻻ بإذنه سبحانه ماشاء الله كان و ما لم يشاء لم يكن.
و جميع الخلائق فقراء الله عاجزون لا يملكون ﻷنفسهم نفعاً و لا ضرا و ﻻ خيراً و ﻻ شرا.

يقول ابن كثير في قول الله تعالى:
( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)
أي : هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء .
سبحان الله و تأتي تتمة هذه اﻵية في قوله تعالى:
(وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون)َ
هذا يعني أنه ﻻ أحد يفلت منه سبحانه مهما كان قدره مهما كان سلطانه مهما كان جاهه مهما كان ماله فإنه ﻻ يفلت و ﻻ يستطيع أن يفلت من قهر الله تعالى له.
يقهرنا باﻹماته يقهرنا بالمرض يقهرنا سبحانه وتعالى باﻷسقام بالفقر باﻷقدار بالقضاء والقدر أيا كان لذلك فإن معرفتنا له سبحانه وتعالى بأنه القهار توجب علينا تنزيهه وتسبيحه فهو سبحانه ﻻ ينال و ﻻ يستطيع أحد أن يصل لعلو قدره و أمره.

سبحانه أمره نافذ لا أحد يستطيع الخروج عن قبضته ﻷجل ذلك فهو الذي يستحق العبادة دون سواه و كل ما سوى الله مقهور مربوب و هذا يذكرنا بقول يوسف عليه السلام حينما قال لصاحبيه في السجن:
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ،، مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) سبحانه القهار القاهر.

من آثار قهره سبحانه أن تلك اﻵثار تبدو في حياة الناس و في تاريخهم ظاهرة جداً من أراد أن ينظر إلى آثار قهر الله في أرضه و في خلقه بل في كل ذرة من ذرات كيان خلقه فلينظر إلى الكافرين و المعاندين و الجاحدين كيف قهرهم سبحانه بانتقامه منهم و إذلاله لهم كيف أخذ العتاه و المتجبرين في الدنيا أخذ عزيز مقتدر كيف كانت في قصصهم عبرة لأولي اﻷلباب فرعون و هامان و قارون و النمرود و غيرهم و أباد أقواما كعاد و ثمود و أصحاب اﻷيكة و قوم لوط و قوم شعيب لماذا؟

ليكونوا للناس عظة و عبرة على مر الدهور ليعلم الناس أن ربهم قهار و أمرهم نافد ﻻ محالة و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس ﻻ يعلمون.
أما قهره في الآخرة فقد قهر الجبابرة الطغاة و قهر كل معاند و كل طاغية و كل متمرد على الحق قهرهم و أذلهم و خصهم سبحانه بعذاب غليظ في أودية في جهنم يلقون فيها أشد العذاب فقد قال سبحانه وتعالى كما في سورة إبراهيم:
(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ،، مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ،، يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)

سبحانه وتعالى قهرهم في الدنيا ثم يقهرهم في اﻵخرة بعذابه و شديد عقابه و قهره سبحانه لهؤلاء الطغاة و الجبارين و المعاندين إنما هو صادر عن عدل و عن حكمة و عن رحمة و نصر للمؤمنين ﻷن المؤمنين إذا عرفوا ما آل إليه الطغاة و المجرمين فرحوا و انشرحت صدورهم و ذهب غيظهم:
(فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)

نسأله سبحانه وتعالى أن ينثر عباده المستضعفين و أن يقهر بعذابه و جبروته هؤلاء الطغاة و المعاندين الذين تجبروا في اﻷرض و عتو عتوا كبيراً.
القاهر سبحانه وتعالى قهر عباده حتى في اﻷمور التي تعتبر أموراً فطرية قد ﻻ نفطن إليها قد ﻻ نلتفت إليها لقد قهرنا سبحانه وتعالى بالجوع قهرنا بالعطش قهرنا بالنوم قهرنا بالمرض.
فالإنسان نجده يجوع فيبحث عن الطعام و يشعر بالعطش فيلهث وراء قطرة من ماء يمرض فتنهار قواه فيسرع إلى الأطباء سبحان القاهر القهار قد يأخذنا النوم فلا نستطيع له دفعا.

بعض الدراسات قيل فيها أن اﻷطباء قد حاروا في ظاهرة النوم و اعترفوا أخيراً بأنه سر غامض يقهر الإنسان و ﻻ علاج له إلا به و كأن النوم نوع من أنواع اﻷمراض التي ﻻ تقهر و ﻻ تدفع إﻻ بمثله سبحان الله لذلك نجد اﻹنسان إذا طالت به اﻷيام ولم ينام قد يتعرض ﻷمراض كثيرة جداً و قد يموت لو واصل بعدم النوم ثلاث أربع خمسة أيام قد ينهار و ما علاجه؟
ليس له علاج في أدوية و لا طب و ﻻ شيء إﻻ في النوم سبحان الله لذلك كان النوم سر و غامض من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

قهرنا بالجوع بالعطش سبحان الله مهما عظم شأن هذا اﻹنسان لو كان من أعظم سلاطين اﻷرض و اعظم ملوك اﻷرض لو جاع ﻻ يستطيع أن يقاوم جوعه قد قهره الله بهذا الجوع.
او عطش مهما كان يملك من كنوز الدنيا ثم عطش و لم يجد شربة ماء لخر ميتا و لما استطاع أن يقف بكل ما عنده من عتدة و عتاد و مال و جاه و حسب و نسب مع لحظة من لحظات عطشه و احتياجه إلى الماء فسبحان القهار.

ما آثار هذين اﻹسمين على المؤمن؟
حينما يوقن بأن له إله قاهر قهار أولاً:
إن المؤمن الحق الذي يعلم بأن إلهه قاهر قهار بأنه يعبد الها قاهر قهار عليه أن ﻻ يخضع و ﻻ يذل ﻷحد من البشر مهما علا مهما عظم ﻷن الكل من خلق الله مقهور أمام الواحد القهار سبحانه وتعالى.
جميع خلق الله ﻻ يملكون ﻷنفسهم نفعاً و ﻻ ضرا و ﻻ حياة و ﻻ نشورا فضلاً على أن يملكون لغيرهم من الخلائق.
فتوحيد العبادة لله من عبد القاهر القهار يقتضي أن ﻻ يخاف هذا العبد إﻻ من الله و ﻻ يذل و ﻻ يخشع إﻻ لله و ﻻ يستكين إﻻ لله سبحانه وتعالى.
كذلك من آثار اﻹيمان بهذين اﻹسمين على العبد أن يخضع لقضاء الله و قدره  لانه يعلم أن الله قد قهر عباده بقضائه و قدره سبحانه وتعالى قد قهرهم بالموت كما ذكرنا في اﻵية السابقة في أول حديثنا:
 (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون)َ
 فأكبر قهر للعبد و لهذا المخلوق الضعيف هو الموت.

فقد قهر سبحانه وتعالى عباده بالموت فعلى العبد أن يكون مستسلما لقضاء الله و قدره ﻷن قضاء الله و قدره بموت أو مرض أو فقر أو أي أمر يكرهه العبد إنما هو من قضاء الله تعالى و من آثار قهر  الله و من آثار إسميه سبحانه وتعالى القاهر القهار.
كما أن من الذي قد نسميه القاهر من العباد أو القهار من العباد الذي قهر أعدائه و أعداء أعداء اﻹنسان نفسه أععداء أعدائك نفسك التي بين جنبيك ؛ فالمؤمن الصادق اﻹيمان يقهر نفسه يخالف نفسه يقهر شهواته يقهر هواه يخالفها ﻷنها هي مدخل الشيطان و ﻻ يستطيع الشيطان أن يقهر ابن آدم إﻻ من خلال نفسه فهي المدخل على قلب اﻹنسان و على أعماله و على علاقته بربه يدخل الشيطان من هذا المدخل و قد حذرنا الله تعالى من أعداء عدو أﻻ هو الشيطان(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) أعداء أعدائنا بعد أنفسنا هو الشيطان نسأل الله أن يعيذنا من وساوس الشيطان و من مداخل الشيطان و من خطوات الشيطان.

الشيطان يستهوي اﻹنسان من الهلاك بواسطة هذه النفس اﻷمارة بالسوء بواسطة الشهوات المحبوبة إلى النفس فمن قهر نفسه و شهواته فقد قهر الشيطان بل قد قهر الناس كافة فلم يقدر عليه أحد بل من قوي على نفسه و شيطانه فقد هان عليه الاستقواء على الناس أو على أعدائه من الخلق الذين يتقوون عليه بغير حق بظلم و بقهر فعلى العبد المؤمن أن يقف مع نفسه و أن يعلم من هم أعدائه فعلاً إنها النفس و الشيطان و الهوى فليقهرهم.

ما وسائل قهر النفس و الشيطان و الهوى؟
أولاً الإستعانة بالله سبحانه وتعالى.
استعن بالله يقول صلى الله عليه وسلم لابن عباس استعن بالله و ﻻ تعجز.
ثم من وسائل اﻹستعانة بالله الدعاء.
أعظم إعانة تصلك من الله ﻻ تكون إلا عن طريق الطلب.
اطلب الله قف بين يدي الله انكسر لله ارفع يديك لله سل  الله أن يعينك على نفسك و على شيطانك و على هواك فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا اللهم ألهمني رشدي و أعني من شر نفسي و سيئات أعمالي يا حي يا قيوم ﻻ تكلني إلى نفسي طرفة عين أصلح لي شأني كله هذه دعوات علمناها صلى الله عليه وسلم حتى نتقوى بها في مواجهة أعدائنا من شياطين الإنس والجن و من النفس اﻷمارة بالسوء من الهوى و الشهوات.

الإستعانة بالله والدعاء واﻹكثار من اﻷعمال الصالحة 
فكلما قهرت نفسك وصبرت وتصبرت على العمل الصالح ومنه الصلاة على وقتها:
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ )
و الله لن نفلح بتركنا للصلاة أو بتهاونا في أمر الصلاة نبينا صلى الله عليه وسلم فارق الدنيا و هو يردد الصلاة الصلاة و الله ما أفلح عبد ترك الصلاة و من أراد النجاة فليتمسك بالصلاة و ليحافظ على الصلاة في أول وقتها و في أوقاتها و يحافظ على أركانها وطهارتها و خشوعها و خضوعها ماستطاع إلى ذلك سبيلاً فخير معين بعد الدعاء والإستعانة بالله الصلاة خير معين على قهر النفس و الشهوات الصلاة.

من اﻷعمال الصالحة أيضاً الصيام.
الصيام يقهر الشهوة و يذل النفس و يقلل من رغبتها في الدنيا و هذا من أحد مقاصد الصيام و من أعلى مقاصد الصيام أنه يقودنا إلى تقوى الله سبحانه وتعالى(لعلكم تتقون)
الصدقة:
الصدقة تدفع عن العبد غضب الرب فإن رفع الله عنك عضبه وفقك للخير وفقك للصلاح وفقك للطاعة تصدق و لو بالقليل اسعى في حوائج الناس من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته هذه من اﻷمور التي تعين العبد على قهر نفسه و شهواته
كثرة ذكر الله كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثرة تلاوة القرآن.
من أعظم اﻷذكار في دفع شهوات النفس و الهوى و الشيطان اﻹكثار من قول ﻻ حول و لا قوة إلا بالله.
يا رب ﻻ حول لي على ترك معصيتك و ﻻ قوة على طاعتك إﻻ بك يردد العبد هذا الكنز الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم كنز من كنوز الجنة ﻻ حول و ﻻ قوة إلا بالله.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا و أن يلهمنا رشدنا و أن يوفقنا للخير و الصلاح و أن يصرف عنا السوء و الفحشاء و أن يجعلنا من عباده المخلصين و أن يحفظنا بما حفظ عباده الصالحين و أن يعيننا على أنفسنا و الشيطان و الهوى و أن ﻻ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين و ﻻ أقل من ذلك هذا و الله أعلم و صلى الله و سلم و بارك على محمد .

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله