هنا كانت .. أمـــــــــي !


في لحظة قضى فيها الحي القيوم قضاءه ,, وأمر فيها ملكاً من ملائكته بقضاء أمره ونفاذه
 قُبضت روح أمي ... وفاضت نفسها إلى بارئها وخالقها ومالكها ..!!
اجتمعت لحظات عمري كلها بليلها ونهارها ,, وحلوها ومرها ,, وفرحها وبؤسها لتنهار أمام لحظة واحدة فقط !
إنها لحظة فراق أمي ..!
لا شيء في الكون عندي يشبه لحظة فراق أمي !
هل أصور لحظة فراقها بلحظة خروج روحي ؟!
لعلها تلك أقرب صورة وأصدقها لدي !
فما أصعبها وما أقساها من لحظة ,, !

**********************************************

في ذلك الصباح لم تستيقظ أمي لتتناول إفطارها على سريرها كعادتها !
في ذلك اليوم لم أقبل رأس أمي ويدها العطرة وألقي عليها السلام !
في ذلك اليوم لم تخرج أمي إلى صالة البيت لتجلس معي فتتناول كوب الشاي وقطعة الخبز المعدة لها كل مغرب !
في ذلك اليوم لم يحضر أبنائي ليسلموا على أمي ويقبلونها ويبتسمون منها أنها لا تعرفهم ولا تميزهم !
في ذلك اليوم لم أجلس عند رأس أمي لأقرأ عليها بعض القرآن !
في ذلك اليوم لم تتصل أختي كعادتها كل يوم لتسأل عن أمي , فقد بادرتها بالاتصال: أن ماتت أمي !
في ذلك اليوم تغيرت كل الطقوس وكل الأحداث وكل الملابسات وكل الانفعالات !
في ذلك اليوم فقط أغمضت بكفي عيني أمي الشاخصتين تتبعان خروج روحها !
في ذلك اليوم فقط أمسكت أطرافها الأربع لا لأقبلها طلبا لرضاها بل  لألين مفاصلها حتى لا تيبس عند غسلها !
في ذلك اليوم فقط اختلفت طريقة غسلي لها عن كل مرة !
كنت أغسلها وهي تتكلم معي وتشاجرني أحياناً وتنهاني عن تغسيلها !
لكن في ذلك اليوم فقط غسلت جسدها الطيب العطر وهي صامتة ساكتة لا تتكلم ولا تعترض ولا تعلق!
غسلت ذلك الجسد المنهك, الذي طالما أُرهق بحمله لي سنين صغري ,, وأُجهد من طول معاناته في تربيتي !

************************************
هنا كانت أمي ,, فهذه مسبحتها ,, وذاك كرسي صلاتها ,, وهذا غطاء رأسها ,, وذاك جورب قدمها ,, وهذه أدويتها ,, وتلك نظارتها !
هنا كانت أمي ,, فهذا سريرها ,, وتلك وسادتها ,, وذاك لحافها !
أمي ,, يبكيك قلبي , وتبكيك جوارحي , وتبكيك سنين عمري !
أمي ,, يبكيك الحنان , ويبكيك الصفح والغفران !
أمي ,, تبكيك طيبة القلب , وصفاء النفس , وحب العطاء !
أمي ,, تبكيك صلة الأرحام , وبر الجيران !
ماتت أمي وتركت لي ليلاً طويلاً ,, وقلباً كسيراً ,, ووحدة قاتلة ,, ووحشة مهيبة !


**************************************
لكن عزائي يا أمي أن دنيانا فراق وفناء , وآخرتنا خلود ولقاء !
ورجائي في الكريم الرحيم الودود الحليم الذي أوصاني ببرك أن يجمعني بك وبوالدي في جنات النعيم مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

فرحمك الله ياأمي






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله