عبد الله (المفقود الموجود)

أيا عبد الله ... أيها المفقود الموجود!
يعزّ عليّ حينَ أديرُ عيني     أفتشُ في مكانكَ لا أراكا
وَلم أرَ في سِوَاكَ وَلا أرَاهُ    شمائلكَ المليحة َ أو حلاكا

(المفقود الموجود) ذاك هو الشاب مليح السجايا والمحيا (عبد الله)!
قالها لي أحدهم وهو يعزيني في فقيد قلوبنا وأرواحنا (عبد الله): رحم الله المفقود الموجود!
نعم والله فقد صدق!
نعم يا عبد الله فأنت المفقود الموجود!
غادرت دنيانا ولم تغادر قلوبنا ولا أرواحنا!
لا الدمع يكفكف الآم الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفف لوعة الفقد، ولا التوقف عند محطات الذكرى يجلب شيئا من السلوى!

ألا إن للموت رهبة وإجلال، وألم ومرارة لا يتذوقها إلا من ذاق لوعة فراق حبيب وخليل!
وما أشد ذلك الألم، وما أمرّ تلك اللوعة حينما يتخطى الموت إلى أرواح سكنت أرواحنا واستولت على قلوبنا وفاضت محبتها على جوارحنا!
نحن في الحقيقة حينما نودع من نحب فإننا نودع معهم أيامًا احتفلت بوجودهم، ولحظات تزينت بأصواتهم وضحكاتهم!

إننا في الحقيقة نودع بعض سعادتنا التي كانت لا تكتمل إلا بهم، ولا تكون إلا معهم!
نحن حينما نبكيك يا عبد الله أو نرثيك فإننا نؤدي حقًا لك علينا، نحن لا نسخط لقضاء ربنا لكننا نبكي لانطفاء شمعتك المضيئة من دنيانا، نبكيك لأنك أعلنت الرحيل عنا وما تشبعت أرواحنا من قربك، ولا امتلأت أعيننا من جمالك!

رحيلك عنا يا عبد الله أعلن لنا إعلانًا عاجلًا لا يحتمل التأجيل؛ أعلن لنا بأن قطار العمر ماض والأيام حبلى والقدر محتوم، وساعات المآلات قريبة، ولحظات النهايات لا بد منها، وليس من حقنا إلا الرضا، ولا بأس بالبكاء!

حينما فارقتنا يا عبد الله في ظهيرة مريرة، تبعتها عشية داجية، ارتجت قلوبنا، وتهاوت أقدامنا، وانهمرت دمعاتنا، وتلعثمت كلماتنا، وأسقط في أيدينا، فما عدنا ندري أي أرض تُقِلُّنا، ولا أي سماء تظلنا!

لقد أثارت فاجعة رحيلك غصة في حلوقنا تجمعت فما عدنا قادرين على ابتلاعها أو لفظها!
وانحسرت أمام أعيننا سنين العطاء والسخاء التي كانت تميز طبعك، ويدل عليها سمتك!
لقد انطفأت ومضة حب الخير ومساعدة المحتاج التي تميز بها وصفك!

عزاؤنا فيك أنك فارقتنا إلى من هو خير منا!
عزاؤنا أنك تركت دنيانا التي لوثتها أنفاس البشر، وأفسدتها مجاورتهم، لتجاور أرحم الراحمين وملك الملوك، الذي دعاك لدار السلام ووفقك في حياتك للعمل ببعض ما يكون سببًا في دخول داره، والبقاء بجواره!

فيا مَنْ غابَ عنّا وَهوَ رُوحنا
وكيفَ نطيقُ مِنْ رُوحنا انفِكاكا
حبيبنا كيفَ حتى غبتَ عنّا؟!
أتَعْلَمُ أنّ لنا حبيبًا سِوَاكَا؟!

لقد رحلت من الدنيا يا عبد الله وتركت خلفك أمًا رؤومًا وأبًا شفوقًا وإخوةً أبرارًا، وأصدقاء مخلصين، ومحبين أوفياء، لا تفتؤ ألسنتهم من الدعاء لك واللجوء لربك يسألونه لك الرحمة والمغفرة والدرجات العلى من الجنة.

لقد رحلت من دنيانا وتركت لنا عبق سيرتك العَطِرَة، وآثار أعمالك الخَضِرَة، لتحكي لنا قصة إخلاص لا يعلم تفاصيلها إلا رب العالمين الذي يجازي بالإحسان إحسانًا.
نحسبك أحسنت في حياتك بينك وبين الله، فجزاك الله بالإحسان إحسانًا، ورفع ذكرك، وطيّب سيرتك، وأفزع القلوب لتحزن عليك، فتنطلق ألسنة أصحابها بالدعاء لك والثناء عليك!
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!

نم يا حبيبي قرير العين في قبرك نومة العروس ليلة عرسها برحمة أرحم الراحمين، نم لتستيقظ يوم لقاء الله في جنات النعيم يحيطك الحور العين، وتلتذ عيناك برؤية وجه ربك الكريم!

ونحن سنبقى نذكرك عند كل بسمة مسكين أسعدته يد كريمة، وعند كل فرحة جائع أشبعته يد سخية، وعند كل دعوة محتاج رفعت لقلب رحيم كقلبك ونفس سخية كنفسك!

نعدك بأننا سنواصل المسير في دنيانا ونذر الحزن خلفنا، ونجاهد في طاعة ربنا لنصل لدرجات بجنة عرضها الأرض والسماوات تجمعنا بك في لقاء دائم ونعيم مقيم لا يحول ولا يزول.

سنظل ندعو لك في سجودنا وفي خلواتنا وظلمة ليلنا وهجعة سحَرنا وعند كل لحظة إجابة وعدنا فيها ربنا بإجابة دعوتنا.

أرَى الباكينَ فيكَ مَعي كَثيراً  وليسَ كمنْ بكى من قد تباكى
فيا قبرَ الحبيبِ وددتُ أني    حملتُ ولوْ على عيني ثراكا
سقاكَ الغيثُ هتاناً وإلاّ        فحسبكَ من دموعي ما سقاكا
وَلا زَالَ السّلامُ عَلَيكَ مني    يرفّ مع النسيمِ على ذراكا

كتبته خالة الفقيد: سوزان المشهراوي
يوم الأربعاء: 1438/5/18هـ










تعليقات

  1. " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "

    ردحذف
  2. كلماتك ابكت القلب قبل العين
    غفر الله لميتكم و جميع موتى المسلمين.

    ردحذف
  3. لا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راعون

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله