تفريغ الدرس الثالث من شرح أسماء الله الحسنى.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد اﻷنبياء وأشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علمه، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء سلطانه، ووسعت كل شيء رحمته، اللهم لك الحمد على حلمك بعد علمك، و الحمد لله على عفوك بعد قدرتك، اللهم لك الحمد على ما تأخذ وتعطي لك الحمد على ما تميت و تحيي، اللهم لك الحمد كله بيدك الخير كله وإليك يرجع اﻷمر كله علانيته و سره، أوله و آخره، لك الحمد نحمدك بمحامدك كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم إنا نحمدك بالذي أنت أهله ونشكر آلاءك ونشكر نعماءك وعدلك في قضاءك وقدرتك في سلطانك، سبحانك ﻻ نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، يا فعال لما يريد، يا ذا البطش الشديد، يا ذا العز المنيع، يا ذا الجاه الرفيع، يا خير الغافرين، يا خير الرازقين، يا خير الفاصلين، يا خير المنعمين، يا خير الناصرين، يا أحكم الحاكمين، يا أسرع الحاسبين، يا أرحم الراحمين، يا وارث اﻷرض ومن عليها وأنت خير الوارثين، سبحانك ﻻ نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي و أسلم و أبارك على عبدك و رسولك و حبيبي و قرة عيني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم و على آله  صحبه وسلم تسليماً كثيراً.
و بعد..
فبإذن الله تعالى نكمل ما بدأنا شرحه في أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته و آثار اﻹيمان بتلك اﻷسماء العظيمة أسماء الجلال و الكمال و الجمال.
شرحنا من اﻷسماء: (الرب، الله، الواحد، اﻷحد، الرحمن، الرحيم) واليوم بإذن الله تعالى نشرح أربعة أسماء تقريباً: (الحي، القيوم، اﻷول و اﻵخر، و الظاهر و الباطن) أربعة  أو ستة أسماء بإذن الله على حسب ما يكفينا الوقت إن يسر الله.

من أسمائه سبحانه وتعالى: ((الحي))
الحي: اسم ثبت في كتاب الله سبحانه وتعالى في أعظم آية في القرآن العظيم؛ أﻻ وهي آية الكرسي يقول الله تعالى: ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وأيضاً جاء هذا الاسم في أول سورة آل عمران: ( الم* اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وأيضاً قال تعالى: ( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

الحي سبحانه وتعالى الذي له الحياة الدائمة والبقاء الذي ﻻ يجوز عليه الموت وﻻ الفناء، و لم تحدث له الحياة بعد موت، ولا يعترضه الموت بعد الحياة،  تعالى سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
الحي سبحانه وتعالى أزلاً والحي أبداً، حياته سبحانه أزلية لا تبدأ من مبدأ، وأبدية ﻻ تنتهي إلى نهاية، سبحانه وتعالى حياته متجردة من معنى الزمان المصاحب لحياة الكائنات، كل الكائنات لها بداية سبقها العدم و لها حياة سيلحقها الفناء إﻻ الله سبحانه وتعالى الخالق ملك الملوك الذي خلق فأوجد؛ فحياته سبحانه متجردة من معنى الزمن المصاحب ﻷي حياة.

الحي سبحانه الكامل المطلق التي تندرج جميع المدركات تحت ادراكه، وجميع الموجودات تحت فعله فلا يشذ عن عمله مدركه، وﻻ عن فعله مفعول سبحانه وتعالى، الحي الدائم الباقي سبحانه، الحي سبحانه الذي ﻻ يموت والجن واﻹنس يموتون، الحي سبحانه الذي قال عن نفسه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فلا أحد يستحق أن يؤله وأن يعبد وأن يحب وأن يلجأ إليه وأن يتوكل عليه وأن يحسن الظن فيه وأن يتوسل إليه إﻻ الحي سبحانه وتعالى، الباقي.

هو حي كامل في ذاته، كامل في أسمائه كامل في صفاته  فما دام هو الحي سبحانه وتعالى فكل ما دونه هالك وفاني، لذلك سبحانه وتعالى يقول: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فإذا كان ما سوى الله باطل وهالك والله هو الحي الباقي، والله تعالى وحده ﻻ إله إلا هو الذي له الحكم في الدنيا والآخرة، الذي إليه مرجع الخلائق كلها، يجازيهم بأعمالهم و يجازيهم بأفعالهم من أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، من أحسن وأخلص رزقه الله الجنة عرضها السموات والأرض، ومن عصى وأصر وأعرض جازاه الله على ذلك اﻹعراض  وذلك النسيان وتلك المعصية ما يستحقه، فالله سبحانه وتعالى هو العدل الرحمن الرحيم الذي جمع بين العدل والرحمة سبحانه وتعالى.

الحي ﻷنه حي سبحانه لم يلحقه فناء ولم يسبقه عدم فلا يحل لنا أن نتوكل إﻻ عليه وﻻ نعبد إﻻ إياه: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)
حينما نقول أن الله هو الحي هذا يصرفنا مباشرة إلى أن الحي من صفاته سبحانه أن ﻻ ينام وﻻ تأخذه سنة أي نعاس، يدبر الأمر في العالم من اﻷعلى إلى اﻷسفل في العالم العلوي وفي العالم السفلي، يحي هذا ويميت هذا ويعز هذا و يذل هذا ويعاقب هذا وينصر هذا ويخذل ذاك كل يوم هو في شأن سبحانه وتعالى.
( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)

صدق التوكل يكون على الحي الذي تفزع إليه كل الكائنات، الذي ﻻ ينام ليلاً و ﻻ نهاراً الذي ﻻ تأخذه سنة و ﻻ نوم الذي خلق الموت والحياة؛ ﻷنه هو الحي فهو خالق الموت و الحياة، في كل لحظة في الحياة و في هذه الدار يخلق الحي القيوم ما ﻻ يحصى من اﻷحياء من نبات من حيوان من إنسان في أقل من الثانية، الله تعالى يخلق أصناف المخلوقات من جميع اﻷنواع من بني آدم و من الحيوانات ومن النباتات ومن غير ذلك، ويخلقهم سبحانه وتعالى ويتكفل بتدبيرهم، ويسوق إليهم أرزاقهم وبيده بقاءهم وفناءهم، وفي كل لحظة كما أنه سبحانه وتعالى يحي  يخلق و يوجد من الكائنات ما ﻻ يعلمه إلا هو، كذلك في كل لحظة يميت بأمره ما ﻻ يحصيه اﻷحياء!
ﻷنه الحي يحي من يشاء و يميت من يشاء سبحانه وتعالى.
فمن علم ذلك علم أن الموت كالحياة كما أن الله يوجد ويحيي كذلك يميت.

فالموت كما قال أهل العلم:
الموت كالحياة سر ﻻ يعلمه إلا الله وﻻ يملك ﻷحد أي يحدثه كما ﻻ يقدر أحد أن يحدث تلك الحياة ﻷن ﻻ أحداً غير الله يهب الحياة كذلك ﻻ أحد غير الله يسلب تلك الحياة فسبحانه الذي (اللَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ)
الحي سبحانه يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
لا ينام وﻻ ينبغي له أن ينام كيف يدبر هذا العالم لو أنه نام؟!

النوم هو من صفات النقص التي ﻻ تليق به سبحانه و له صفات الكمال و الجلال و الجمال.
كل شيء في هذه الحياة يستمد حياته منه سبحانه وتعالى، و لاغنى ﻷحد من الخلق طرفة عين عنه وعن إمداده في الحياة، ولو أن الله تعالى وَكِّل هذا الكون ﻷحد من الخلق أو وكَّل هؤلاء البشر ﻷنفسهم لانمحى الوجود كله، ﻷنه مهيمن على الكون سبحانه وتعالى يدبر شؤنهم يقيم على أحوالهم، يدبر تلك الشؤون و كل اﻷحوال في غاية الانتظام و منتهى التدبير وغاية الرعاية و كل ذلك في سهولة ويسر، كل الكون بذراته ومجراته كجيش مهيب سبحان الله! منظم بحول الله  وقوته و أمره، و كل تلك اﻷشياء والمخلوقات تستمد حياتها من حياة الحي الذي ﻻ يموت.

من آثار اﻹيمان بهذا الاسم العظيم (الحي):
أول أثر من تلك اﻵثار وكما نردد دائماً و نقول:
محبته سبحانه، إذ أن المحبة يجب أن تكون أثرًا ﻻزمًا مع اﻹيمان بكل اسم من أسمائه فكلما تعرفنا على اسم أو على صفة و فعل من أفعال الله وعلى اسم من أسماء الله قادنا ذلك و أثمر في قلوبنا محبته سبحانه وتعالى و التعلق به سبحانه وتعالى، فإذا تعلقت القلوب بالله وأحبت الله  أثمر ذلك صدق التوكل عليه.
إذا آمنا بأن الله هو الحي الذي ﻻ يموت أحببناه ﻷنه هو واهب الحياة لنا، وحين يقبض أرواحنا فهو الذي يملك ذلك وﻻ أحد غيره يملك ذلك، هذا يثمر التوكل على الله سبحانه وتعالى، و يثمر الزهد في الدنيا.

من علم أن له رب حي ﻻ يموت يميته متى شاء و يقبض روحه متى شاء زهد في هذه الدنيا ﻷن الدنيا بما فيها إلى فناء، و كلنا إلى فناء و كل اﻷشياء إلى فناء كل الدنيا إلى فناء بما فيها، حينما تقوم الساعة حينما تقوم القيامة يقبض الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض بيمينه ثم ينادي سبحانه أنا الملك فأين الملوك، أنا الجبار فأين الجبارون لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﻻ يبقى على هذه اﻷرض وﻻ على هذا الكون مخلوق حي ﻻ يبقى إﻻ هو سبحانه وتعالى، يموت البشر و تموت البهائم ويموت اﻷنبياء و تموت الملائكة و يموت الجن و كل شيء يهلك و كل شيء يموت إﻻ هو سبحانه، هذا يعطينا إيماناً بأن هذه الدنيا فانية وزائلة فعلينا أن ﻻ نغتر بها مهما أعطينا من عمر مهما مد الله في أعمارنا كم سيمد الله من  أعمارنا؟

سيمد عشرين عاماً، ثلاثين، أربعين، خمسين فلتكن مائة عام أو أكثر أو أقل في النهاية موت كلنا إلى زوال كلنا إلى نهاية، مات خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم و قال له ربه سبحانه: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) وعزى ربنا سبحانه وتعالى صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم في موته صلى الله عليه وسلم وكل مصيبة بعده جلل فقال سبحانه: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ)
إذاً محمد بشر وهو خير البشر صلى الله عليه وسلم رغم ذلك كتب عليه الموت وكتب على أنبياء الله كلهم.

من آمن بالحي سبحانه وتعالى اشتاقت نفسه إلى الحياة الدائمة اشتاقت نفسه إلى الحياة اﻷبدية اشتاقت نفسه إلى الحياة التى ﻻ فناء فيها وﻻ زوال عنها إنها حياة أهل الجنة، يا أهل الجنة خلود بلا موت من علم أنه إلى فناء تعلق قلبه بالدار اﻵخرة، تعلق قلبه بالفردوس اﻷعلى إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى لماذا يا رب لماذا يا نبينا؟ ﻷن الفردوس اﻷعلى  والجنة دار ﻻ موت فيها ﻻ يذوقون فيها الموت إﻻ الموتة اﻷولى ووقاهم عذاب الجحيم، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة وأن يرزقنا الجنة بغير مناقشة حساب وﻻ سابقة عذاب. اشتاقت النفس إلى الجنة للمكوث في جنات النعيم إخوانا على سرر متقابلين ﻻ يمسنا فيها نصب وﻻ يمسهم فيها لغوب، من اشتاقت روحه إلى الجنة من اشتاقت نفسه للجنة من اشتاق قلبه إلى الجنة و تاقت نفسه إلى الجنة عمل لبلوغ تلك الدار، عمل للوصول لتلك الدار أﻻ إن سلعة الله غالية أﻻ إن سلعة الله الجنة.

المبادرة بالعمل الصالح.
من آمن بالحي سارع بالعمل الصالح، سابق في الخيرات، سابق في الطيبات، سابق في الصالحات (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، (لمثل هذا فليعمل العاملون) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا المسارعة في الخيرات.
الاسم المصاحب لاسم الحي سبحانه: ((القيوم))
القيوم سبحانه وتعالى هو الذي قام بنفسه وعظمت صفاته واستغنى جميع المخلوقات به واستغنى هو عن جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى.

القيوم الذي ﻻ يقوم شيء إﻻ به، وهو مستغني عن كل شيء سبحانه.
القيوم يقول سبحانه وتعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)

القيوم سبحانه كل العباد له في حاجة، وكل العباد يحتاجون إليه، وكل العباد في حاجة إليه.
( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
(قَائِمًا بِالْقِسْط) أي أنه قيوم والقائم مأخوذة من القيوم فالله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم القائم الدائم الذي ﻻ يزول، القائم بحفظ كل شيء، ورزق كل أحد وتدبير كل شيء، القائم على كل شيء بالرعاية القائم بتدبير الخلائق المتولي لجميع ما يجري في هذا العالم، العالم العلوي و العالم السفلي، و ما يجري في الدنيا و ما يجري في اﻵخرة، القائم بنفسه فلا يحتاج ﻷحد.

القيوم ﻷهل السماوات واﻷرض القائم بقسمة أرزاقهم يتصريف أحوالهم حشرهم حسابهم أرزاقهم كل شيء هو قائم به سبحانه وتعالى هو ﻻ يحتاج في قيامه ودوامه إلى أحد وﻻ قيامه للخلائق كلها من كبير وصغير أو قوي أو ضعيف إﻻ به الحي القيوم سبحانه وتعالى.
جميع المخلوقات تقوم به وﻻ تقوم بنفسها لذلك النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول: يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و ﻻ تكلني إلى نفسي طرفة عين، ﻷنه سبحانه لو وكلنا ﻷنفسنا ضعنا و خبنا وخسرنا ﻷنه هو القائم بنا يدبرنا يعلمنا يرزقنا يرشدنا يهدينا يوفقنا كل شيء منه و به سبحانه وتعالى.
و حينما استغنى سبحانه وتعالى عن جميع مخلوقاته و كان كل مخلوقاته يحتاجون إليه قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)

مالك السماوات والأرض كلنا إليه فقراء  كلنا إليه محتاجون كلنا إليه منكسرون كلنا إليه مفتقرون من منا ﻻ يفتقر للحي القيوم؟!
فلننزل حاجاتنا به سبحانه وتعالى و لنلتجئ إليه و لنتوكل عليه مالك السماوات والأرض من كمال ملكه ﻻ يشفع أحد عنده إلا بإذنه، العالم بكل شيء الذي بكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلق وما خلفهم، فلا تسقط ورقة إلا بعلمه وﻻ تتحرك ذرة إﻻ بعلمه ﻷنه هو القائم عليها هو المدبر لها: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

سبحانه سميع اﻷصوات سميع اﻷقوال والحركات، بكمال سمعه ﻻ يخفى عليه شيء في اﻷرض وﻻ في السماء بصير بكل شيء ﻷنه قائم عليها، كيف يكون قائماً وﻻ يسمع و ﻻ يبصر سبحانه وتعالى عنا يصفون.
قائم بكل شيء و يسمع اﻷصوات كلها و ﻻ يخفى عليه شيء في اﻷرض و ﻻ في السماء، بصير  بكل شيء ﻻ يعزب عنه مثقال ذرة في اﻷرض و ﻻ في السماء.
يقوم على هذا الكون العظيم بكلياته وجزيئاته بكل وقت في السماوات في اﻷرض في الدنيا في اﻵخرة.

قائم على كل نفس قائم عليك وقائم علي يعلم أحوال أنفسنا يعلم أقوالنا يبصر أفعالنا يعلم مكنونات أنفسنا يعلم ما نفكر فيه حتى ما لم نفكر فيه حتى ما ننوي أن نفكر فيه يعلمه سبحانه وتعالى.
فهل يليق بعاقل عرف أن له ربا حي قيوم أن يجعل له شريكاً في خلقه أو تدبيره أو رزقه أو عبوديته؟!

يقول سبحانه: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ) نعوذ بالله من الشرك.
من آمن بالقيوم سبحانه وتعالى أول أثر يعود على قلبه ونفسه التبرؤ من الحول والقوة.
أنا وأنتم ﻻ نستطيع أن نقوم بأنفسنا الله هو القائم بنا إذاً هذا ماذا يعطينا من أثر؟
أن نتبرأ من حولنا و قوتنا و نفتقر إليه سبحانه وتعالى افتقارا كاملاً لذلك كان من كنوز الجنة ﻻ حول وﻻ قوة إلا بالله .

فالحول والقوة من الله سبحانه وتعالى، يتبرأ العبد من حوله و من قوته و ينزل جميع حوائجه بالله تعالى فمن أنزل حوائجه لله تعالى قضيت حوائجه و كشفت كرباته و أجيبت دعواته سبحانه وتعالى.
فإذا اقترن اسم الحي باسمه القيوم كان لذلك تأثيراً عجيباً كما قال ابن القيم رحمه الله:  اسمه الحي القيوم له تأثير في إجابة الدعوات وكشف الكربات.
من علم أن له رب قيوم قائم على أمره ولد ذلك في قلبه صدق اﻹعتماد على الله في جلب المصالح و دفع المضار سواء في أمور الدنيا أو اﻵخرة ﻷنه قيوم السماوات والأرض وكل شيء فقير إلى فضله ورحمته.

يملك العطاء يملك المنع يملك النفع يملك الضر يملك اﻹحياء يملك الرزق فلا حول وﻻ قوة إلا بالله.
نحن نتبرأ من كل حولنا وقوتنا قد يقع البعض منا في ابتلاء في كربة في شدة يشعر أنه يضعف عن حمل هذه الشدة يضعف عن حمل هذا البلاء يضعف عن التحمل ﻻ يستطيع فمن أين يستمد قوته؟
يستمد قوته من الحي القيوم لذلك كان من دعاء الكرب: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث يستمد العبد قوته من القيوم القائم به القائم عليه الذي يرزقه الذي يدفع عنه ضره الذي يعطيه الذي يمنعه، و كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي من الليل هناك دعاء طويل يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض و من فيهن).

أنت القائم على السماوات وعلى الأرض بمن فيهن.
إذاً فالكل فقير إليك الكل محتاج إليك.
فإذا نزلت بك حاجة فإلى الله فألجأ وإذا اشتدت بك كربة فإلى الله توجه ولو اجتمع كل الخلق على أن ينفعوك لم ينفعوك أو يضروك لن يستطيعون إلى ذلك سبيلاً كما جاء في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُــلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْر).

إذاً فإلى من نتوجه؟!  و من نسأل؟ الله سبحانه وتعالى.
(وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ). يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم هنا ابن عباس ذلك الغلام البالغ سبع سنوات، (وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )
إذاً التوكل يكون على من؟
على الحي القيوم: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)

من أسمائه جل جلاله جل في علاه: ((اﻷول واﻵخر))
تقريباً هذه اﻷربع اﻷسماء أتت كلها سوياً: ( اﻷول اﻵخر، الظاهر الباطن) جاءت في آية واحدة في سورة الحديد: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
و ثبتت أيضاً هذه اﻷسماء في السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت اﻷول فليس قبلك شيء وأنت اآخر فليس بعدك شيء و أنت الظاهر فليس فوقك شيء و أنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين و أغننا من الفقر.

هو اﻷول أي اﻷول قبل كل شيء.
اﻷخر: بعد كل شيء
السابق للمخلوقات كلها الكائن الذي لم يزل قبل وجود الخلق فاستحق اﻷولوية واﻷولية إذ كان موجوداً وﻻ شيء قبله كما قلنا في اسمه الحي سبحانه وتعالى أنه لم يسبقه عدم  ولم يلحقه زوال سبحانه وتعالى.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كان الله  لم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء و خلق السماوات والأرض).
فالله سبحانه وتعالى هو اﻷول وكل نعمة في هذا الكون هو الذي ابتدأها.
النعم التي أنا وأنت فيها من الذي ابتدأها؟ الأول سبحانه وتعالى.
فبفضله ورحمته خلق اﻹنسان وبفضله ورحمته هداه ووفقه وأعانه وبفضله ورحمته أوصله إلى رضاه أوصله إلى رحمته، فهو اﻷول في ذلك كله كما هو اﻷول في كل شيء غير ذلك.

عبوديته سبحانه وتعالى باسمه اﻷول ماذا تقتضي؟
تقتضي ذلك التجرد من مطالعة اﻷسباب كل اﻷسباب تفنى و تضمحل وينعدم العمل بها و ينعدم أثرها حينما نعلم أن الله هو اﻷول هو مسبب اﻷسباب.
فإيماني باسمه اﻷول سبحانه وتعالى يقتضي التجرد من مطالعة اﻷسباب؛ ﻻ أتجرد من العمل بالأسباب طبعاً، نحن دائماً نقول كما قال أهل العلم:
أن اﻷخذ باﻷسباب ﻻ ينافي التوكل وسيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم أخذ باﻷسباب و ظاهر ذلك في أحاديث كثيرة من السنة النبوية ﻻ مجال لذكرها.

إذاً نقول: التجرد من مطالعة اﻷسباب أن آخذ باﻷسباب لكن ﻻ أتعلق بتلك اﻷسباب، لا أطالع إلى تلك اﻷسباب وﻻ أقف معها وﻻ ألتفت إليها و أجرد النظر إلى أن فضله ورحمته سبقت كل شيء و أنه عز وجل هو المبتدئ باﻹحسان من غير وسيلة مني وﻻ منك.
ﻻ توجد وسيلة من العبد مهما بذل من وسائل مهما قدم من أسباب أوﻻ وآخرا الفضل من الله أوﻻ وآخرا الرحمة من الله من اﻹيجاد منه الإعداد منه اﻹمداد منه الهداية فضله سبحانه وتعالى سابق على كل الوسائل على كل اﻷسباب.

حتى الوسائل التي نحن نكتسبها و اﻷسباب التي نحن نقوم بها و نقدمها نابعة من فضله وجوده لم تكن من أسباب أخرى، كل سبب نحن نبذله و نقدمه كله من الله و فضله و إحسانه فهو اﻷول قبل كل شيء له المنة له الفضل له العزة له الكبرياء سبحانه وتعالى أرحم الراحمين أحكم الحاكمين ﻻ إله غيره و ﻻ رب سواه.
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، الحمد لله الذي جعل لنا ربا رحيما كريماً أوﻻ آخرا سبحانه وتعالى.

((اﻵخر))
كما قلنا ذكر في سورة الحديد مصاحب لاسمه الأول سبحانه وتعالى.
ما معنى اسمه تعالى اﻵخر؟
اﻵخر الذي ﻻ انتهاء لوجوده الباقي بعد فناء خلقه.
هو جل جلاله اﻷول واﻵخر وليس لكونه موجود أوﻻ وﻻ آخر.

ﻻ يوجد سابق له و ﻻ بعده في ذاته و في أفعاله و في أمره كله إليه يرجع اﻷمر كله سبحانه أول كل شيء وآخره له اﻷمر من قبل ومن بعد، نبذل اﻷسباب نفعل نقدم نؤخر نقول ياليتنا فعلنا ياليتنا قدمنا ياليتنا عملنا ﻻ، فالله هو الأول واﻵخر هو الذي وضع اﻷسباب وسبب اﻷسباب وجعل فيها الفعالية.
وﻻ أقول أن أفعل اﻷسباب وأتوكل على اﻷسباب وإذا لم أفعل اﻷسباب لم يحصل اﻷمر؛ ﻻ، إذا لم أشرب الدواء لم يحصل الشفاء؛ ﻻ، قد يحصل الشفاء بدون دواء و قد قال ابن تيمية رحمه الله:
كم من الناس شفاه الله دون دواء.
كيف شفاه الله دون دواء؟
أخذ بأسباب آخرى ومن أعظم تلك اﻷسباب الدعاء.
قال:
إما بدعاء أو رقية أو صدق توكل على الله أو صدقة خفية.

هناك أسباب غير الدواء تكون علاج وتكون شفاء و في الأخير من سبب هذه اﻷسباب؟ ومن وضع الفعالية في هذه اﻷسباب؟ وما الفائدة من هذه اﻷسباب؟ إنه اﻷول واﻵخر سبحانه وتعالى.
اﻷول واﻵخر ليس ورائه شيء يقصد أو يعبد كما أن ليس قبله شيء يخلق و يبرؤ.
عبادة الله باسمه اﻵخر ماذا تقتضي؟
حينما أتعبد لله تعالى باسمه اﻵخر ماذا تقتضي؟
يقتضي عدم ركون العبد للأسباب، وﻻ يقف معها فإنها تنعدم ﻻ محالة وتنقضي ويبقى الدائم الباقي سبحانه.

كل سبب نبذله ينتهي، وإذا لم يرد الله فيه الخير  لم يرد الله فيه المفعول فلم يكون، فالتعلق بها تعلق بمعدوم تعلق بأمر ينعدم و ينقضي، أما التعلق باﻷول واﻵخر تعلق بالحي الذي ﻻ يموت وﻻ يزول.
المتعلق بالمولى الكريم حقيق أن ﻻ يشقى وﻻ يزول وﻻ ينقطع بخلاف من تعلق بغيره لذلك قال السلف:
(من تعلق بشيء عذب به).
كيف عذب به؟
ابتلاه الله في هذا الشيء ابتلاه الله في هذا المتعلق ابتلاه الله في هذا المحبوب لذلك ﻻ تعلق قلبك إﻻ بالله وحده كما كان ابن القيم يقول: (استأنس بمن ﻻ يفارقك، واستوحش ممن يفارقك).
استأنس بمن ﻻ يفارقك، الله سبحانه وتعالى متى أردت الله وجدته سبحانه بلطفه وجدته سبحانه برحمته وجدته سبحانه بعلمه وجدته سبحانه بإحاطته وجدته سبحانه بتوحيده بتوبته بأسمائه وصفاته.

من وجد الله ماذا فقد؟ لم يفقد شيئًا!.
و من فقد الله ماذا وجد؟!
والله لو وجد الدنيا بما فيها فقد فقد كل شيء ﻷنه فقد الله.
فهو سبحانه اﻷول الذي كان قبل اﻷسباب، واﻵخر الذي يبقى بعد اﻷسباب.
يأتي قبل اﻷسباب وبعد اﻷسباب إذاً في الأخير هذه اﻷسباب لن تكون فاعلة إﻻ بحوله و قوته سبحانه وتعالى.
و إليه تنتهي اﻷمور  إليه تصير الخلائق.

(( الظاهر والباطن))
الظاهرعلى كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه.
و باطن لجميع اﻷشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كل شيء في هذا الكون أقرب إليه من كل شيء منه هو الله سبحانه وتعالى و هذا فيه دليل على اطلاعه على السرائر و الضمائر و الخفايا و الخبايا و دقائق اﻷشياء.

الظاهر والباطن يأتي من جهتين وذكر ذلك الشيخ عمر اﻷشقر في كتابه أسماء الله الحسنى قال:
هو باطن من جهة أنه محتجب عن أبصار الخلائق فلا يراه أحد في الدنيا لذلك قال سبحانه وتعالى لكليمه موسى لما سأل موسى أن يرى الله قال له: ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا)
إذاً ما استطاع موسى أن ينظر إلى شيء من عظمة الله، الله سبحانه وتعالى تجلى للجبل بمقدار ثقب اﻹبرة فقط من نوره تعالى فالجبل لم يحتمل فسقط، فخر مغشيا عليه موسى عليه السلام.
إذاً هو باطن محتجب عن أبصار الخلائق فلا يراه أحداً في الدنيا، أما في اﻵخرة: ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)الزيادة هي لذة النظر لوجهه الكريم: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)

أما من الجهة الثانية: فمع أن الله باطن ﻻ يراه أحد من خلقه في الدنيا وهو محتجب عنه لكنه ظاهراً بظهور آياته ودلائله الدالة عليه بوضوحها و بيانها.
الظاهر الباطن الذي ظهر بحججه الباهرة  براهينه النيرة و بشواهد أعلامه الدالة على ثبوت ربوبيته كما قال الخطابي رحمه الله..
الظاهر والباطن هذان الاسمان مقترنان ببعضهما.

إذا علم العبد أن ربه سبحانه وتعالى كان ولم يكن شيء و ظاهرعلى خلقه في كل شيء وغالب وقاهر لجميع المخلوقات سبحانه وتعالى اقتضى ذلك:
أن يستقر في قلب العبد محبة ربه واستقامة هذا العبد على عبودية الله سبحانه وتعالى وصار الله له ملجأ وموئلا وملاذاً يفر إليه متى شاء فيا سعادة من آثر رضاه وحده وتوكل عليه واستغنى به عمن سواه سبحانه وتعالى.

فعلينا أن نصلح له غيبنا وسرائرنا فإن عنده الشهادة وعنده الغيب يعلم ظواهرنا ويعلم بواطننا كما يعلم ظواهر اﻷمور وبواطنها سبحانه وتعالى.
يستوي عنده من هو مستخف في قعر بيته في ظلام الليل ومن هو سائر في طريقه في بياض النهار يستوي عنده في العلم به هذا و هذا: ( سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ)

عبادة الله تعالى والتعبد له باسمه الباطن تستوجب له معرفة العبد بإحاطة الرب سبحانه وتعالى بالعالم العلوي  والسفلي ومعرفة العبد بعظمة الله و كبريائه وأن الخلائق كلها في قبضة الله أنا و أنت في قبضة الله السماوات السبع و اﻷرضين السبع في يده أصغر من الخردلة في يد الإنسان.
لطيف يعلم السر يعلم الخفاء يعلم ما يصلحني ويصلحك يعلم ما ينفعني وينفعك يعلم ما يصلح قلبي ويصلح قلبك سبحانه وتعالى، قد يصلح قلبي النعم وقد يصلح قلبي البلاء، قد يصلح قلبك البلاء و قد يصلح قلبك النعم، كل عبد هو يعلم بما يصلحه: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

(الباطن) سبحانه الذي ليس دونه شيء أقرب إلى كل شيء من نفسه.
الباطن له قرب عام وقرب خاص.
القرب العام: هو قربه من كل شيء.
كل شيء مخلوق في هذا الكون الله قريب منه ومن كل شيء.

وقرب خاص: هو قربه سبحانه وتعالى من عابديه و من داعيه و من القريبين منه و من المتوكلين عليه سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) هذا هو القرب الخاص الذي ﻻ يكون ﻷحد يقول صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا.

إنه سميع بصير تبارك اسمه وتعالى جده مما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه.
وكما قال صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء.
إذاً هذا نوع قرب خاص من الباطن سبحانه وتعالى هذا القرب من لوازم المحبة؛ كلما كان حبك لله أعظم كلما كان قربك منه أكثر.
كلما ما أحببت الله كلما اقتربت منه.

فتستولي محبة الله تعالى هذا المحبوب العظيم تستولي على قلب العبد فيغلب هذا الحب على قلبه حتى كأنه يرى الله و يشاهده وهو ما جاء في معنى اﻹحسان:
أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فهذا يثمر عند العبد شدة المراقبة أن يجمع العبد قلبه المعبود يقصده بالعبادة يلجأ إليه في حوائجه و يصمد أيضاً في حوائجه.

ويقتضي أيضاً أن يزكي نفسه أن يصلح سريرته أن يصلح باطنه أن ينقي قلبه ليس المقصد أن تصلح أعمالنا وظواهرنا إنما صلاح بواطننا أهم من صلاح ظواهرنا كما قال أهل العلم و السلف الصالح:
صلاح الظواهر هو علامات صلاح البواطن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح بواطننا وأن يصلح ظواهرنا وأن يعيننا على رضاه و يرزقنا الاستغناء به عن سائر خلقه سبحانه وتعالى.

هو اﻷول فليس قبله شيء وهو اﻵخر فليس بعده شيء و هو الظاهر فليس فوقه شيء وهو الباطن فليس دونه شيء الحمد لله الذي جعلنا مسلمين ووجه قلوبنا إليه سبحانه دون سواه وعصمنا من عبادة العبيد وحفظنا من السجود للأصنام واﻷوثان الحمد لله الذي أسبغ علينا وافر النعم و اسأله سبحانه أن يتم علينا نعما هو ابتدأها و كان سبحانه أولها وأوليتها منه بلا سبب منا فله الحمد كثيراً كما ينعم كثيراً وسبحانه وتعالى الرحيم الذي من أقبل إليه تلقاه من بعيد ومن تصرف بحوله و قوته أﻻن له الحديد ومن شكره وترك ﻷجله أعطاه فوق المزيد، فتوكل عليه وحده و عامله وحده واقصد حبك على من سبق فضله وإحسانه إليك سبحانه وتعالى، و كل سبب كان منه سبحانه وتعالى له مقاليد السماوات والأرض، يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر.

هذا والله أعلم إن أصبت فمن الله  وعن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول.

الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين و سبحان ربك رب العزة عما يصفون ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم و اغفر لنا و لجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين و ارزقنا من الفهم عنك و عن نبيك ما نبلغ به منازل النبيين و نحشر به في زمرة العلماء العاملين برحمتك يا أرحم الراحمين و صلى الله و سلم و بارك على محمد و آله و صحبه.



تفريغ طالبة علم 
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها
مراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله