تفريغ الدرس الرابع من شرح أسماء الله الحسنى للأستاذة سوزان المشهراوي

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين.
و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين.
الحمد لله رب العالمين أعطى اللسان وعلم البيان وخلق اﻹنسان فبأي آﻻء ربكما تكذبان، لك الحمد يا من هو للحمد أهل، أهل الثناء و المجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لك الحمد من ضعيف يطلب نصرتك، لك الحمد من فقير يطلب غناك، لك الحمد من ذليل يطلب عزك، لك الحمد ما دعوناك إلا حسن ظن بك وما رجوناك إلا ثقة فيك وما خفناك إلا تصديقا لوعدك ووعيدك، فلك الحمد حمدك ربي كلما ﻻح كوكب، ومالاح قمري على الغصن يندب، وشكر جزيل، والثناء مردود، لك الحمد ما أمدت إليك المطالب والصلاة و السلام على علم اﻷعلام وإمام كل إمام محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فبإذن الله نحن اليوم في درسنا اﻷسبوعي من كل خميس في شرح أسماء الله سبحانه وتعالى والوقوف على آثارها واﻵثار المترتبة على اﻹيمان بها.
وصلنا إلى اسمه سبحانه وتعالى((الوارث)) كما هو مبين في المذكرة لديكن الموجودة على القناة حسب الترتيب الموجود فيها.

((الوارث سبحانه وتعالى))
اسم من أسماء الله العظيمة ذات الجلال والجمال والكمال وكل أسمائه عظيمة وكل أسمائه جميلة وكل أسمائه كاملة وجليلة.
الوارث سبحانه وتعالى وجل جلاله ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)
وأيضاً ورد في قوله جل ثناؤه: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)

ما معنى الوارث سبحانه وتعالى؟
الوارث كما قال الخطابي:
الباقي بعد فناء الخلق والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيا مالكاً ﻷصول اﻷشياء كلها يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب.
و قال اﻹمام الغزالي -رحمه الله-:
هو الذي يرجع إليه اﻷملاك بعد فناء الملاك وذلك هو الله سبحانه وتعالى.
إذا هو الباقي بعد فناء الخلق، وإليه مرجع كل شيء ومصيره.
المعنى في هذا الاسم العظيم والذي يفقه من هذه النصوص:
أن الله عز وجل مالك السماوات والأرض على الحقيقة.
ماذا يفعل بنو آدم في هذه اﻷرض وفي هذا الكون؟
فالله تعالى استخلف بني آدم في الدنيا لينظر كيف يعملون.

هو سبحانه وتعالى مالك الملك، هو مالك هذا الكون كله بما فيه، وإنما استخلف بني آدم لينظر كيف يعملون فيه وهم يتوارثونه فيما بينهم قوم يأتون وقوم يرحلون وملكهم الله إياه ملكا مؤقتاً.
كل إنسان له ملك في هذه اﻷرض على أضيق أنواع الملك،
اﻷم في بيتها بيتها ملك لها، اﻷب أوﻻده وزوجه وبيته ملك له، أي شيء يتملكه العبد هو ملك له؛ أدق اﻷمور قد يتملك اﻹنسان ملبس قد يتملك مسكن أي شيء هذه أمور ملكها الله تعالى للعباد تمليكا مؤقتاً وزائلا، ليس مؤقتاً وباقيا بل مؤقتاً وزائلا ﻻ محالة.
وكل شيء في هذا الكون وكل شيء في هذه الدنيا إنما هي عارية مسترجعة.

أي أمر أي شيء أعطانا الله إياه وملكنا إياه إنما سيسترجعه منا يوم من اﻷيام، اﻷرواح واﻷشياء الجمادات أي امتلاك نمتلكه سيسترجعه الله منا حتى أرواحنا عارية في هذه الدنيا سيسترجعها الله يوماً فكل شيء في هذه الدنيا زائل ﻻ محالة عارية مسترجعة ثم يفنيهم الله جميعاً.
سيأتي يوم يفنى كل شيء: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وﻻ يبقى إﻻ الحي الوارث لذلك سمى نفسه سبحانه في علاه الوارث ﻷنه يرث اﻷرض ومن عليها.
الله سبحانه وتعالى الوارث والباقي بعد فناء خلقه، الحي الذي ﻻ يموت وقد تحدثنا عن اسمه الحي سبحانه وتعالى في الدرس الماضي وقلنا أن معنى الحي:
الذي لم يسبقه عدم ولن يلحقه فناء سبحانه.
وهو الحي الذي ﻻ يموت وهذا من معاني اسمه الوارث.
الدائم الذي ﻻ ينقطع سبحانه، كل شيء مرجعه إليه ومصيره إليه أﻻ إلى الله تصير اﻷمور، فإذا مات جميع الخلائق وزال عنهم ملكهم كان الله هو الباقي.
هو الباقي الحق هو المالك لكل المملوكات سبحانه الوارث لها جميعاً و هو القائل في ذلك اليوم الذي تفنى فيه كل اﻷشياء وتفنى فيه جميع الخلائق من إنس و جن و ملائكة هو القائل سبحانه: ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) وهو المجيب لنفسه سبحانه وتعالى: ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)

الله سبحانه وتعالى بين أنه وارث ما في اﻷرض ومن فيها.
كم من القرون عاشوا قبلنا؟ كم عاشوا؟
لو حسبنا القرون التي منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا كم من القرون وكم من الناس وكم من المخلوقات وكم من بني آدم، كم ممن عاش في أمن ودَعَة ورغد عيش ثم أصابهم الشطر والبطر ولم يقوموا بحق النعمة ولم يشكروا ربهم سبحانه وتعالى رغم أنه وهبهم نعما عظيمة سبحانه وتعالى فماذا كان عاقبة أمرهم؟
كان عاقبة أمرهم خسرا كما قال تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)

هذا فيه إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يعطينا وينعم علينا ويجعلنا نعيش في رغد من العيش وأمن وأمان مهما قصرت عنا النعم و ذلك من وجهة نظري أنا و أنت أن النعمة تنقص في حقنا لكن في الحقيقة أنه مهما نقصت من نعم فما بقيت لدينا من نعم هو أعظم مما أخذ منا و هو أعظم مما سلب و هو أعظم مما منع منه سبحانه وتعالى.
فمن أوتي النعم و كلنا أهل نعم، و من أوتي الخير و كلنا أهل خير ثم لم يشكر هذه النعمة و لم يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى أوشك أن تكون عاقبة أمره خسرا ﻷن الله تعالى هو وارث اﻷرض ومن عليها: (وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)

قوله تعالى: ( وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)  أي نحن الذين نرث منهم إذ لم يخلفهم أحد ليتصرف في تصرفهم في ديارهم في سائر ذات أيديهم تلك القرى التي أهلكها الله حينما جحدت بالنعم حينما أشركت بالله حينما كفرت بأنعم الله و كان وحده سبحانه وتعالى هو الوارث لتلك اﻷمم: ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) إذا علم العبد و أدرك بنور بصيرته أن كل ما يملكه في هذه الحياة إنما هي عارية لديه و حتى المال هذا الصي قد منحه من الله هو مستخلف فيه و أن الله هو المالك الحق لكل اﻷشياء التي بين يدي العبد جاد هذا العبد بما عنده و كان هذه ثمرة من ثمرات اﻹيمان باسمه الوارث سبحانه وتعالى.

الله تعالى يرث اﻷرض ومن عليها هذا المال الذي بين أيدينا ليس هو ملك لنا ليس حق لنا إنما هو ملك لمالك الملك سبحانه وتعالى للواراث لذلك من أعظم آثار اﻹيمان بهذا الاسم للعبد المؤمن أنه يجود بما عنده من المال أنه يقدم هذا المال يصبح في كل يوم و في كل صباح ينادي مناد اللهم أعطي منفقا خلفا اللهم اعطي ممسكا تلفا كل ما ينفق العبد و يعطي و يجود بنفسه و يتكرم على عباد الله الله سبحانه وتعالى يخلف عليه خير: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بلال يقول: أنفق بلال وﻻ تخش من ذي العرش إقلال.
أي كلما أنفق العبد كلما بارك الله له في ماله بارك الله في كسبه بارك الله في كل نعمة أنعم بها عليه سبحانه وتعالى.

فإذاً من آثار اسمه الوارث أن يجود العبد بما عنده من مال، أن يجود العبد بما عنده من رزق على المحتاجين على الفقراء على من يحتاج هذا المال غيره.
وطبعاً نحن نقول أن أول أثر من آثار اسمه سبحانه وتعالى كلها هي:
محبة الله سبحانه وتعالى والتعلق به سبحانه وتعالى.

كذلك من آثار اﻹيمان بهذا اﻹسم وحظ المؤمن من هذا الاسم أنه يسارع إلى فعل الخيرات يبادر إلى أعمال البر ﻷنه ثبت لديه يقيناً أنه إذا لم ينفق في حياته في سبيل الله فإنما ماله صائر إلى الله تعالى هذا الأمر يجب أن يتقرر في نفوسنا وفي قلوبنا هذا أمر يجب أن نتيقن عليه ونكون موقنين به أن ما لم ننفقه في حياتنا في سبيل الله سيرثه الوارثون بعد مماتنا فلنجمع من الأموال ما نشاء ولنقبض أيدينا ما نشاء ثم بعد ذلك هل سننفق هذا المال كله؟ لا

هذا المال سيبقى لمن يبقى بعدنا؟  للورثة لذلك العبد ينفق و يتصدق و يكون كريماً سخيا بماله للمحتاجين من عباد الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فينفق العبد ويعطي و يقدم و يتصدق و يبذل ما لديه ﻷنه يعلم يقيناً أن كل ما يملك إنما هو أولاً هو ملك لله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك هو مسترد لله سبحانه وتعالى، وفي الأخير إن لم ينفقه العبد في حياته في وجوه البر و أعمال الخير فإنما هو باقي للورثة بعده و ﻻ يعلم العبد في ماذا ينفقونه أولئك الورثة أينفقونه في حلال أم ينفقونه في حرام؟

ليقدم اﻵن وهو يعيش في هذه الدنيا ليقدم لله سبحانه وتعالى ولينفق وليتصدق له سبحانه.
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟
قالوا يا رسول الله ما منا أحد إﻻ ماله أحب إليه.
قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر.
هذا الحديث في صحيح البخاري.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أجاب عليه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما منا أحد إﻻ ماله أحب إليه.
قال تريدون أن تعرفون أي شيء ماله هل هو ماله الذي يملكه سيكون معه أم الذي سيتركه لورثته فأجابهم صلى الله عليه وسلم علق على إجابتهم قائلاً: فإن ماله ما قدم أي ما قدمه في حياته أي أن الذي يخلفه اﻹنسان من مال ويقدمه لله هو ذلك المال الحقيقي الذي قدمه في حياته للمحتاجين والفقراء وتصدق به.
ومال وارثه ما أخر، المال الذي يرثه بعده ورثته ذلك هو مال ورثته وليس هو ماله وإن كان في الحياة هو ماله.
الذي يخلفه اﻹنسان من المال وإن كان في الحال منسوبا إليه، اﻵن المال الذي لدي هو لي حتى وإن سيرثه ورثتي بعدي هو اﻵن في حياتي هو لي لكنه يعتبر للورثة باعتبار انتقاله إليهم بعد موته فهو في حياة العبد فهو ملكه باعتبار حياته و هو للورثة بعد وفاته باعتبار انتقاله إلى أولئك الورثة.
فإذاً يقدم اﻹنسان يتصدق يعطي في صحته يعطي في وقت غناه حتى ﻻ يأتي يوم كما قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ)، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا اليد العليا.

اليد العليا أحب إلى الله من اليد السفلى، اليد العليا كثيرة اﻹنفاق كثيرة الكرم كثيرة السخاء، السفلى هي ذات البخل والشح كما قال سبحانه: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) فينفق اﻹنسان على قدر حاجته ويتصدق بما يقدر عليه ويترك لورثته ما يتعففون به بعد وفاته فلا إفراط وﻻ تفريط.

من أسماء الله سبحانه وتعالى: ((القدوس والسبوح))
اسم الله السبوح والقدوس اسمان متلازمان.
ورد هذا الاسم ((السبوح)) في حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح).
وأيضاً ورد اسمه القدوس هنا سبوح قدوس اجتمعا الاسمان في حديث واحد وفي أثر واحد.
أما انفراد اسمه القدوس ورد في قوله سبحانه وتعالى في سورة الحشر: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)
ما معنى السبوح وما معنى القدوس؟
السبوح سبحانه وتعالى المنزه عن كل سوء ونقص المبرئ من النقائص والشريك وكل ما لايليق باﻷلهية.

أما القدوس:
المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يختلج به ضمير أو يقضي به تفكير سبحانه وتعالى.
القدوس سبحانه المنزه عن أوصاف الخلق، بل هو المنزه عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنها الخلق كمالا في حقه ﻷن الخلق أيها اﻷخوة إذا نظروا إلى أنفسهم و عرفوا صفاتهم و ادركوا انقسامها إلى ما هو كمال مثل علمهم و قدرتهم و سمعهم و بصرهم كلامهم إرادتهم اختيارهم إذا وضعوا هذه اﻷلفاظ كلها و هذه الصفات و قالوا إن هذه أسماء كمال فنسبوها إلى الله ثم نظروا إلى ما هو نقص في حقهم مثل جهلهم عجزهم عماهم صممهم خرسهم وضعوا هذه المعاني و جعلوها في حق الله نقص فهم بذلك قد انتقصوا من حق العظيم سبحانه وتعالى الذي يقول عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
الله تعالى منزه عن أوصاف كمال الخلق وما ينسبه الخلق إليه ومنزه عن صفات النقص سبحانه وتعالى.

فهو منزه عن صفات الكمال التي تشابه صفات الخلق وتماثل صفات الخلق؛ فلا سمعه كسمعهم وﻻ بصره كبصرهم وﻻ علمه كعلمهم وﻻ قدرته كقدرتهم وﻻ كلامه ككلامهم سبحانه وتعالى فهو منزه عن كل صفة كمال في حق الخلق أو نقص في حق الخلق أو في حق الخالق سبحانه وتعالى وهو صاحب الكمال سبحانه وتعالى أسمائه وصفاته كلها كما نكرر ونعيد ونقول:
أسماء وصفات كمال وجمال وجلال سبحانه.
فالقدوس سبحانه وتعالى المنزه عن كل نقص سبحانه.

ماذا يقتضي هذا التقديس؟
حينما نقول أن الله قدوس ماذا يقتضي هذا التقديس؟
أن نصف الله بكل كمال مع الإجلال والتعظيم فليس له مثيل وليس له شبيه ليس له سمي ليس له ند ليس مضاد له من الصفات أكملها وأعظمها وأوسعها.
ذات الله سبحانه وتعالى منزهة عن كل نقص موصوفة بكل كمال.
وحتى يتحقق هذا التنزيه أنا وأنت قد نقول سبحان الله الملك سبحان القدوس سبحان السلام سبحان السبوح لكن كيف يتحقق هذا التنزيه؟
لا بد للعبد حتى يحقق هذا التنزيه في حق الله أن يطهر قلبه.
من ماذا يطهر قلبه؟
أول درن ووسخ وسوء يطهر العبد منه قلبه هو الشرك والشبهات.
أولها الشرك ينزه العبد ربه في قلبه عن كل شرك عن كل شريك عن كل ند عن كل شبيه ﻷن التنزيه هو لب التوحيد وأصل التوحيد.
تنزيه الله عن الشركاء.
و الشرك والتنزيه ﻻ يلتقيان في العبد المؤمن.
إذ كيف العبد يقول سبحان الملك سبحان القدوس سبحان السلام سبحان السبوح ثم هو بعد ذلك يشرك مع الله تعالى في عبادته.

قد يقول قائل:
لكننا نحن ﻻ نشرك بالله ﻻ نعبد أوثانا ﻻ نعبد جن ﻻ نعبد ملائكة نعبد الله وحده نقول:
هناك مضادات للتوحيد يجب أن ينتبه إليها العبد.
قد يقع العبد في الشرك من حيث ﻻ يشعر من حيث ﻻ يعلم أو قد يعلم لكنه يستهين بهذا الشرك قد يحلف بغير الله ، قد يرائي بعمله غير الله  قد يصل به حد الشرك نسأل الله السلامة و العافية أن يدعو غير الله  أن يتقرب إلى غير الله أن يذبح لغير الله أن يستغيث بغير الله أن يستعين  بغير الله قد ينزه العبد ربه عن كل هذا فلا يستعين بغيره و ﻻ يستغيث بغيره و ﻻ ينذر لغيره و ﻻ يذبح لغيره لكنه قد يقع في أمر عظيم مضاد للتوحيد يخالف كمال التوحيد قد يوقع العبد في الشرك و هو ﻻ يشعر و هذا كثير من الناس يقعون فيه لا نبالغ أن نقول جل العباد يقعون فيه أﻻ وهو سوء الظن بالله.
سوء الظن بالله أمر عظيم مضاد للتوحيد وللإيمان بالله سبحانه وتعالى أن تسيء أيها العبد ظنك بالله تعالى ﻷن الله تعالى نزه نفسه عن ذلك وفضح أقواما من المنافقين ساورهم الشرك بالله وساورهم سوء الظن بالله يقول الله تعالى: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)
و الله سبحانه وتعالى يقول: ( فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

سوء الظن بالله أن يظن العبد بربه أن ﻻ ينصره أن ﻻ يفرج عنه أن ﻻ يعطيه أن ﻻ يرزقه أن ﻻ يبلغه آماله أن ﻻ يدخله الجنة كل هذا سوء ظن بالله.
سوء الظن بالله تعالى فيه إنكار لحكمته؛ الله تعالى من أسمائه الحكيم فكل أفعاله في هذا الكون حكمة وكلها تقتضي الحكمة فحينما يسيء العبد ظنه بربه فلا يرضى بقضاء الله وﻻ يرضى بقدره يقع عليه اﻷقدار يقع عليه القضاء ثم هو مع ذلك ﻻ يرضى وﻻ يسلم ويظن أن هذا ظرر في حقه وأن هذا سوء في حقه فو الله إن هذا لهو سوء الظن بالله وسوء الظن في حكمة الله والعياذ بالله من ذلك: (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
أيها اﻷخوة كثير من الناس ﻻ يستقيم له الإيمان بالقدر خيره وشره ونحن أن نعلم أن من أصول اﻹيمان الستة

أن تؤمن بالقدر خيره و شره و كثير من الناس ﻻ يستقيم له اﻹيمان في هذا الباب و في هذا اﻷصل العظيم من أصول اﻹيمان فيسيء الظن فيما يصيبه من المصائب وما يصيبه من الأحداث التي تحدث له على غير ما يحب و يتمنى، إذا أصابه شيء ﻻ يحبه و ﻻ يتمناه و يكرهه مباشرة يظن أنه الشر و يظن أنه السوء و يسيء الظن بربه سبحانه وتعالى و ﻻ يسلم من هذا إﻻ من عرف ربه إلا من عرف الله بأسمائه و صفاته و عرف حكمته و قدسيته سبحانه وتعالى لا يستقيم للعبد إيمانه حتى يكون في يكون بأن كل ما يجري في هذا الكون بحكمة من حكيم سبحانه وتعالى.
فيقدس العبد ربه وينزه ويسبحه سبحانه بأن في أقداره شيء من الخلل أو من السوء أو من الضرر وإن بدا للعبد من ذلك من شيء لكن هذا بالنسبة لنظر العبد القاصر وليس بحكمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى.

تقديس الله سبحانه وتعالى وتنزيهه وتسبيحه سبحانه عماينسبه إليه المشركون من صفات النقص كدعوى الولد له سبحانه كدعوى الشريك له سبحانه كدعوى من نسب إليه التعب سبحانه وتعالى بعد خلق السماوات والأرض كدعوى من نسب إليه الفقر من هم الذين نسبوا إليه التعب ونسبوا إليه الفقر تعالى عما يقولون علواً كبيراً؟  إنهم اليهود.
من الذي نسب إليه الولد؟
إنهم النصارى قاتلهم الله!

مع ذلك نجد كثير من الناس يوالون هؤلاء يوالون من ادعى لله الولد من نسب إلى الله الولد يحتفلون بأعيادهم يحتفلون بمناسباتهم يقدمون لهم التهاني ويقدمون لهم التبريكات على أعيادهم يوالونهم يحبونهم يتقربون إليهم وهذا كله ينافي كمال التوحيد.
كثير من الناس أيها اﻷخوة عندهم جهل في مسألة الولاء والبراء يظنون أنه لن يؤثر في إيمانهم محبتهم ﻷولئك الذين نسبوا إلى الله سبحانه وتعالى الولد.
قد يقول قائل منهم:
لكن هؤلاء طيبون هؤلاء أخلاقهم جيدة هؤلاء أخلاقهم أفضل من أخلاق المسلمين هؤلاء فيهم صفات جيدة؟

كل هذا أيها اﻷخوة ﻻ يبرر محبتهم، بل أن محبتهم تضاد التوحيد ومن نواقض التوحيد موالاة أعداء الله مواﻻة من عادى الله ورسوله والله تعالى يقول: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
إذاً ينتبه العبد ويتنبه ﻷمر الولاء والبراء.
يوالي من ويعادي من؟ يحب من ويبغض من وفي من؟
يحب من آمن بالله نحب الصالحين نحب أحباب الله نحب أولياء الله، نعادي من عادى الله ورسوله نعادي من قال لله ولد سبحانه وتعالى عما يصفون، نعادي من قال أن الله فقير تعالى الله عما يشركون، نعادي كل أولئك؛
ﻷننا نثبت ونوحد رب العالمين وﻻ نقول إﻻ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

كل ما في هذا الكون من كائنات من مخلوقات ﻻ يحصيها إﻻ الله سبحانه وتعالى قد أسلم لله إﻻ كفرة الجن واﻹنس.
كل من في هذا الكون يسبح الله كل من في هذا الكون مستسلم لله إﻻ نوعين من المخلوقات كفرة الجن و كفرة اﻹنس و الله تعالى في ذلك يقول: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
لكن أي المخلوقات أحق بالتسبيح؟
الجمادات تسبح، النباتات تسبح، كل شيء في هذا الكون يسبح، اﻷنعام تسبح لكن من أحق المخلوقات بالتسبيح؟

بنو آدم هم أحق المخلوقات بالتسبيح ﻷن الله تعالى فطرهم على العبادة، فطرهم على التقديس، فطرهم على التوحيد سخر لهم كل ما في الكون، كرمهم في البر والبحر فضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، أمدهم بالعقل أمدهم بالسمع أمدهم بالبصر لماذا؟
لينظروا إلى الكون لينظروا نظر تفكر واعتبار يبصرون ما في هذا الكون من دلائل تدل على ربوبيته تدل على وحدانيته؛ ثم تنطلق ألسنتهم بالتسبيح، تسبح الله سبحان الله، تمتلئ قلوبهم بالتقديس واﻹجلال لله تعالى الواحد اﻷحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
كل إنسان ينظر بعين البصيرة إلى هذا الكون، المؤمن ﻻ ينظر بعين بصره بل ينظر بعين بصيرته إلى هذا الكون، يرى دقة الصنع إتقان الصنع ليس في هذا الكون عيب أو نقص أو قصور كل شيء صنع بدقة صنع بإحكام من الحكيم سبحانه وتعالى من الملك من الخالق من البارئ من المصور سبحانه وتعالى: ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)

فإذا نظر اﻹنسان ببصره إلى أعلى رأى الكرة متأججة أقرب مثال لعظيم صنع الله سبحانه وتعالى في هذا الكون لجميل صنع الله في هذا الكون.
إذا نظرت إلى السماء فرأيت تلك الكرة متأججة ماهي؟ الشمس أكبر من اﻷرض بأكثر من مليون مرة هذه الشمس، تبعد عنا حوالي مائة وخمس وخمسين مليون كيلو متر سبحان الله، لو اقتربت هذه الشمس إلى اﻷرض مقدار بسيط جداً ﻷحرقت من في اﻷرض، ولو ابتعدت بمقدار بسيط جداً لجمد من في اﻷرض من الذي فعل هذا؟
من الذي خلق هذا؟
من الذي أحكم هذا؟
إنه القدوس السبوح الملك سبحانه وتعالى الحكيم.

الله سبحانه وتعالى ينزه نفسه عن كل عيب، ينزه نفسه عن كل نقص، ينزه نفسه عن كل سوء وهكذا يجب علينا أن نفعل ذلك ليس بالكلام فقط، ليس أن نردد ذلك باللسان فقط بل بقلوبنا ننزه بقلوبنا بأفعالنا عن كل نقص وكما قلنا أعظم ما يظهر ذلك التنزيه حينما يرضى العبد بقضاء ربه وقدره فهو ينزه عن العبث ينزه سبحانه وتعالى على أنه خلق شيئاً عبثاً أو جعل العباد في هذه الدنيا سدى إنما كل أفعاله بحكمة.

فرضى العبد بقضاء الله وقدره وأفعاله وقضائه في نفس العبد وفي هذا الكون وفي هذه الدنيا هو أعظم دليل على تنزيه الله سبحانه وتعالى.
الله ابتلاني بالفقر ابتلاني بالمرض بالسقم بالموت بالفقد بأي شيء رضا العبد بهذه الابتلاءات دليل على أنه ينزه الله عن كل نقص، ينزه الله تعالى على أنه قد خلق شيء عبثاً ينزه الله على أن يكون في خلقه للأشياء وفي تقديره للمقادير وفي قضائه للقضاء سبحانه وتعالى قد ظلم أحداً أو قدر تقديراً ﻻ يناسب أحداً وإن كان ذلك التقدير في ظاهره غير مناسب وفي ظاهره ضار وفي ظاهره سوء إﻻ أنه في الحقيقة هو خير.

لماذا هو خير؟
ﻷن الذي قدره هو الحكيم الخبير اللطيف العليم سبحانه وتعالى.
ما حظ المؤمن من هذين الاسمين؟
أن ينزه إرادة الله وعلمه سبحانه وتعالى.
فينزه علم الله عن أي وهم يدرك هذا العبد، ينزه علم الله عن أي متخيل أو محسوس يوهم العبد بأن ما يقع في الكون فيه ضرر على العباد، وينزه إرادة الله.
كيف ينزه إرادة الله؟
ينزه إرادة الله أن تدور حول الحظوظ البشرية.

الله سبحانه وتعالى إذا أراد أمراً قال له كن فيكون، فليس هناك إرادة تقع من الله سبحانه وتعالى يكون فيها مرجع إلى لذة شهوة أو غضب أو متعة مطعم أو مشرب أو منكح إذا رفع رأسه العبد إلى ما يصل إليه من اللذات بواسطة الحس و القلب فهو ﻻ يريد بذلك إلا الله سبحانه وتعالى .
فكلما نظر العبد إلى ما فطر الله تعالى عليه العبد من فطرة حب الطعام والشراب النكاح الملبس المسكن كل ذلك هي في نظر العبد حظوظ لكن ينظر إليها العبد من باب أن الله خلقها له وأولاها فيه ﻷنه يريد منه التقرب إليه، فهو بذلك ينزه الله في إرادة الله.

يتساءل العبد فيقول إذا كان الله تعالى حرم علي الأكل الحرام و حرم علي النكاح المحرم نكاح الشهوة وحرم علي أن اكتسب المال بغير حق فلماذا أودع الله في شهوة المال و شهوة الفرج و شهوة البطن؟
إذا سأل نفسه هذا السؤال يجيب نفسه مباشرة ﻷن الله تعالى له حكمة يريد منك أن تستخدم وتستعمل هذه اﻹرادات كلها أو هذه اﻷشياء التي أستودعها فيك كلها تستعملها في طاعة الله سبحانه وتعالى ثم الله تعالى ابتلاك بها حتى ينظر كيف تجاهد نفسك في التعامل معها.
ابتلاء: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ)، الحياة ابتلاء: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

فالعبد ﻻ يريد من هذه الدنيا إﻻ الله بما أودع الله فيه من جميع أنواع الشهوات والملذات والفطر التي قد تقوده إلى المحرمات هو في اﻵخير ﻻ يريد إﻻ ما يريد الله سبحانه وتعالى.
فلا يريد إﻻ الله وﻻ يبقى له حظ إﻻ فيه وﻻ يكون له شوق إﻻ إلى لقائه، وﻻ فرح إﻻ بالقرب منه ولوعرضت عليه الجنة بما فيها من النعيم لن تلتفت همته إليها و لن يقنع من الدار إﻻ برب الدار.
هذا كلام اﻹمام الغزالي رحمه الله.
ولن يقنع من الدار إﻻ برب الدار.

الدار هي دار السلام هي الجنة هي الفردوس الأعلى، لو عرضت لهذا العبد بكل ما فيها من نعيم سيرضى صحيح، سيفرح بهذا النعيم ويفرح بهذه اللذات التي عرضت عليه في جنات النعيم لكن هو لن يقنع إﻻ برب الدار سبحانه لذلك كان أهنئ نعيم وأعظم نعيم في الجنة ﻷهل الجنة هي لذة النظر لوجه الكريم سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم
فحينما يتجلى الملك سبحانه ﻷهل الجنة فينظرون إليه فلا يرون أن في الجنة نعيم أعلى من ذلك النعيم وهو النظر إلى وجهه سبحانه وتعالى.
يسبح العبد ربه، يكثر من التسبيح.

من آثار اﻹيمان باسمه السبوح والقدوس يكثر العبد من التسبيح في كل أحواله يسبح الله قائماً وقاعداً ومضطجعا في حضره في سفره في خلطته في عزلته في رخائه في شدته يكثر من التسبيح.
من أكثر من التسبيح انفرجت أسارير قلبه، سيرى السعادة في حياته، سيرى السرور في حياته.
من أكثر من التسبيح رأى أثر ذلك التسبيح على انشراح صدره على صفاء نفسه.
و يتأكد أمر التسبيح حينما يكون اﻹنسان في الشدة و الابتلاء فقد قال سبحانه وتعالى عن يونس عليه السلام حينما أنجاه الله من بطن الحوت: ( فَلَوْلَا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ،، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
يتأكد التسبيح في وقت الشدة.
الدعاء الذي علمنا إياه عليه الصلاة والسلام وهو دعاء يونس علمنا الله في كتابه ﻻ إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فنجاه الله من الغم وكذلك ننج المؤمنين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر هذا الإسم في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح.
يسبح به في ركوعه يسبح به في سجوده يردد هذا الدعاء بعد التسليم من الوتر.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن قال أﻻ أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟
إن نوحا قال لابنه يابني أمرك أن تقول سبحان الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الحق وبها ترزق الخلق قال الله: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه)
وأيضاً في الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

من أسماء الله سبحانه وتعالى وهو الاسم الأخير في درسنا اليوم((السلام))
السلام سبحانه تسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وأفعاله من الشر.
السلام سبحانه كما قيل الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين، فهو سبحانه المنزه بالسلامة من جميع العيوب والنقائص لكماله في صفاته وذاته وأفعاله.
وهذا ما قيل أيضاًفي الاسمين السابقين سبحانه وتعالى السبوح والقدوس.
السلام هو السلام من الصاحبة، السلام من الولد السلام من الكفؤ، السلام من النظير السلام من المماثل من الشريك.

فإذا نظر العبد إلى أفراد صفات كماله وجد كل صفة سلاما مما يضاد كمالها كيف ذلك؟
لو نظر إلى اسمه الحي وجد أن حياته سلام من الموت وسلام من السنة أي النعاس وسلام من النوم.
لو نظر إلى اسمه القيوم سبحانه وتعالى لوجد أن اسمه القيوم سلام من التعب سلام من اللغوب ﻷنه قائم على عباده فكيف يتعب سبحانه وكيف ينصب سبحانه وتعالى.
لو نظر إلى اسمه العليم لوجد أن علمه سبحانه سلام من غياب أي شيء عنه أو عزوب عن أي شيء عنه.
لونظر إلى إرادته سبحانه وتعالى نجد أن إرادته سبحانه سلام من خروجها عن الحكمة وعن المصلحة وهكذا في سائر أسماء الله.
كل اسم من أسماء الله سلام مما يضاده سبحانه وتعالى.
كلماته سلام من الكذب والظلم، كلماته تمت صدقاً وعدلاً.

غناه سلام من الحاجة إلى غيره ﻷنه الغني لا يحتاج إلى غيره، غناه يختلف عن غنى المخلوقين.
المخلوق مهما كان غنيا إﻻ أنه يحتاج لمخلوق مثله، لكنه سبحانه الغني الذي ﻻ يحتاج إلى أحد وكل أحد يحتاج إليه.
إلهيته سلام من أن يكون له شريك، حلمه عفوه صفحه رحمته كل تلك اﻷفعال والصفات سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل.

يحلم يعفو يصفح يغفر ﻻ لحاجته للعباد، يعطي يحسن ﻻ لحاجته للعباد و لا لفقره سبحانه إنما لحاجة العباد إليه لذل العباد إليه، لفقر العباد إليه، فجوده و كرمه و إحسانه و كل ذلك من صفاته و أسمائه عن محض علوه و كماله و جلاله سبحانه؛ حتى انتقامه حتى عذابه حتى شدة بطشه لم تكن عن ظلم منه سبحانه و هو المنزه عن الظلم هو الذي نزه نفسه عن الظلم الذي قال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح:
ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.

هو ﻻ يعذب وينتقم ويبطش ويعاقب ﻷنه أو يتشفى أو يقسو سبحانه وتعالى عن ذلك كله.
فهو سلام عن الظلم وعن التشفي وعن الغلظة وعن القسوة.
إذاً لماذا هو يفعل ذلك لما يعذب لما ينتقم لماذا يبطش لماذا يعاقب إنما ذلك هو محض حكمته وعدله ووضعه اﻷشياء في مواضعها، وهو يستحق على ذلك الحمد والثناء ويستحق على إحسانه وثوابه الشكر والطاعة؛ كما أن قضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم ويقضي للعباد بأنواع القضاء التي يحبونها والتي يكرهونها التي يريدونها والتي ﻻ يريدونها.
وفي ذلك كله حكمة منه.

فقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم.
شرعه سلام من الاختلاف، سلام من الاضطراب.
عطاؤه سلام من كونه أنه يعطي معاوضة أو يعطي لحاجة إنما هو يعطي لكرمه وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى هكذا نقيس عليها جميع اﻷسماء والصفات كيف أنها سلام من كل نقص.

من آثار اﻹيمان بهذا الاسم:
أن الله سبحانه هو الذي يسلم على عباده و أولياؤه في الجنة قال تعالى: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) لذلك كان السلام و إفشاء السلام هو من الحسنات التي دعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام و حث عليها صلى الله عليه وسلم بل جعلها سبب لدخول الجنة كما جاء في الحديث الصحيح عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم ﻻ تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، و ﻻ تؤمنوا حتى تحابوا أوﻻ أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
 أفشوا السلام بينكم.

إذاً ﻻ بد للعبد أن يجتهد في أمر إفشاء السلام في أي مكان أبدأ السلام على من عرفت ومن لا تعرف.
إذا عرفت فلان فسلم عليه حتى لو لم أعرفه.
من المعلوم أن حسنات السلام
السلام لها عشر حسنات.
السلام عليكم ورحمة الله عشر حسنات.
وبركاته عشر حسنات.
هذه ثلاثين حسنة.
البدء بالسلام مستحب وسنة، ورد السلام واجب.
والله سبحانه وتعالى فضله واسع في مضاعفة الحسنات وزيادة الحسنات.

ما حظ العبد من هذا الاسم؟
يجب وﻻ بد أن يسلم قلب هذا العبد من الحقد والحسد والغش والشر.
على العبد أن يسلم قلبه ويطهر قلبه من أنواع ذنوب القلوب.
ذنوب القلوب خطرها أعظم من ذنوب الجوارح.
الغل الحسد العجب الرياء الشرك هذه كلها أعمال قلوب قد ﻻ تظهر للناس النفاق قد ﻻ تظهر للناس لكن يطلع عليها رب القلوب سبحانه وتعالى مطلع على القلوب ومطلع على السرائر سبحانه وتعالى.
على العبد أن يطهر قلبه من كل ذلك عملا باسمه السلام سبحانه وتعالى.
 أن يسلم جوارحه من اﻵثام والمحظورات فلا يبطش بيده في حرام، وﻻ تنظر عيناه إلى حرام وﻻ تسمع إذناه إلى حرام أن تسلم صفاته عن الانتكاس عن التردي، أن يسلم لسانه عن الشتم عن الذم والسب.

 النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن فاحشا ولم يكن صلى الله عليه وسلم متفحشا في كلامه؛ فكلامه صلى الله عليه وسلم كله كلام طيب وهكذا المؤمن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم ويتأسى باسم الله تعالى السلام.
المؤمن يحرص على أن يكون قلبه سليم ﻷن هذا القلب هو الذي سينفعه يوم القيامة يوم ﻻ ينفع مال وﻻ بنون إﻻ من أتى الله بقلب سليم.
سلامة القلوب أمر في غاية الأهمية ولن تسلم الجوارح ولن تطهر الجوارح ولن تكون طيبة إﻻ بطيبة القلب وسلامة القلب ونزاهة القلب.
صلاح الظواهر هو علامة صلاح البواطن.

كلما صلح باطن العبد وسلم من آفات القلوب ومن أمراض القلوب كلما صلحت جوارحه وظهر ذلك في قسمات وجهه وفلتات لسانه.
ﻻ تتخيل أن باطنك سيخفى عن الله تعالى، وأيضاً إن خفي عن الناس لكن ستظهر علامات باطنك ستظهر على جوارحك.
السلام سبحانه وتعالى يجب أن يكون لنا من اسمه نصيب.
السلام سبحانه وتعالى لن يوصف العبد بأنه سليم إلا إذا سلم المسلمون من لسانه ويده كما جاء في الحديث.
لن يوصف العبد بالسلام وبالإسلام وأن إسلامه صحيح وكامل وأن إسلامه طيب إﻻ إذا سلم المسلمون من لسانه ويده.
المسلم من سام المسلمون من لسانه ويده.

ولما كان السلام من أسمائه الحسنى فعلى العباد إذا أرادوا السلام في الدنيا والآخرة أن يطلب السلام من رب العباد.
أما في الدنيا كيف يكون السلام في الدنيا؟
اﻹهتداء بشرع الله واتباع نهج الله؛ فمن أسلم وجهه لله في الدنيا نعم باﻷمن واﻷمان والعدل.
من حكم بشريعة الله في الدنيا أنعم الله عليه باﻷمن واﻷمان والسلام في الدنيا: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)
بل اﻷمن والسلام لم يكون إﻻ بترك الشرك فكلما سلم العبد من الشرك بالله سبحانه وتعالى كلما أنعم الله عليه بالسلام في هذه الدنيا وباﻷمن واﻷمان في هذه الدنيا.
أما في اﻵخرة فالسلام الحقيقي الشامل ﻻ يكون ﻷحد من العباد إﻻ في الجنة.

لماذا السلام في الجنة بل سماها الله سبحانه وتعالى بدار السلام؟
إذ فيها بقاء بلا فناء، فيها غنى بلا فقر، وفيها عز بلا ذل، وصحة بلا سقم.
(لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
والله يدعو إلى دار السلام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلمنا من كل سوء في ديننا وفي دنيانا، وأن يرزقنا السلام في الدنيا واﻵخرة.
هذا والله أعلم إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان مما أقول والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد اﻷنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا اللهم أرزقنا من الفهم عنك وعن رسولك ونبيك ما نبلغ به منازل النبيين ونحشر به في زمرة العلماء العاملين برحمتك يا أرحم الراحمين.

الحمد لله رب العالمين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

مراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله