الدرس التاسع من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الكبير) جل جلاله

اسم الله((الكبير))
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
لك الحمد يا الله لك الحمد كله و لك الملك كله و بيدك الخير كلهو إليك يرجع اﻷمر كله علانيته و سره فأهل أنت أن تحمد و أهل أنت تعبد إنك على كل شيء قدير و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بإذن الله تعالى في هذا الدرس سنكمل في شرح أسماء الله الحسنى.
فو الله ما من نعيم في الدنيا يشبه نعيم معرفة الله تعالى ليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم اﻹيمان بالله و معرفته بأسمائه و صفاته و أفعاله و ليس في القلب سرور و ﻻ لذة إﻻ في محبته تعالى و معرفته و التقرب إليه فيما يحبه و يرضاه وﻻ تمكن محبته المحبة الكاملة إﻻ بعد معرفته و اﻹعراض عن كل محبوب سواه و كل من أحب الله أنس به و من أحب غير الله عذب به!

حاجة القلوب إلى الله في هذه الدنيا وحاجتها إلى التوحيد و اﻹيمان بالله أعظم من حاجة اﻷبدان للطعام والشراب بل ﻻ نسبة بينهما وﻻ مقارنة بينهما ومن هنا كان وقوفنا على بعض أسماء الله تعالى ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا معرفته و محبته وخشيته وأن يرضى عنا ويتقبل منا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سنتحدث إن شاء الله في هذا الدرس عن إسم الله جل في علاه ((الكبير)).
الكبير سبحانه وتعالى العظيم الجليل.
الكبير سبحانه وتعالى الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير.
و قيل هو الذي كبرعن شبه المخلوقين.
الكبير سبحانه ورد هذا الاسم في كتاب الله: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) كذلك قال تعالى معرفا بنفسه أنه الكبير: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)

الكبير والكبرياء عبارة عن كمال الذات، وكمال الذات هو كمال الوجود.
و يرجع الكبرياء إلى شيئين:
اﻷمر اﻷول: دوامه أزلا وأبدًا، فالدائم اﻷزلي اﻷبدي الذي يستحيل عليه العدم أولى أن يكون كبيراً ، فالله تعالى كما نردد دائماً و نقول هو دائم أزلي أبدي وجوده لم يسبقه عدم و بقائه وحياته ﻻ يلحقها زوال وﻻ فناء، فإذًا هو أولى بأن يكون كبيرًا.

اﻷمر الثاني: أن وجوده هو الوجود الذي يصدر عنه كل موجود فلا موجود في هذه الدنيا و ﻻ مخلوق في هذا الكون وﻻموجود في هذا الكون إﻻ صادر عن وجود الله .
الذي حصل منه الوجود لجميع الموجودات كذلك أةلى بأن يكون كبيراً سبحانه وتعالى.
فالكبير هو الكبير سبحانه في كل شيء، هو الذي كبر وعلا في ذاته في صفاته في أفعاله عن مشابهة المخلوقين،له كبرياء الذات له كبرياء الصفات له كبرياء اﻷفعال، أكبر من كل شيء وأعلى من كل شيء وأجل من كل شيء يتضاءل أمامه كل شيء، كل شيء صغير وحقير أمامه سبحانه وتعالى أمام كبريائه وعظمته وجبروته سبحانه.

ولو تأملنا أيها اﻷخوة النصوص نلاحظ كثير اقتران الكبير بالعلي أو المتعال، وهذا يدل على أنه الكبير في علوه العلي في كبريائه سبحانه؛ لذلك الله سبحانه وتعالى لما نقول هو الكبير فيجب علينا أن يستقر في قلوبنا أنه الكبير الذي ذلت لكبريائه الكائنات كلها وسجدت لعلوه المخلوقات كلها ومن تكبر قسم الله ظهره ومن تواضع حفظ الله ذكره هذه قاعدة ﻷنه الكبير المتكبر الذي له الكبرياء المطلق فكل من تكبر وكل من تعالى على خلق الله قصم الله ظهره، وكل من تواضع و ذل لعباد الله المؤمنين حفظه الله وحفظ ذكره.

لذلك يروى في هذا السياق أن رجلًا من اﻷغنياء كان يطوف بالكعبة وحوله خدمه وأعوانه يطردون الناس لينفرد بالطواف وانقضى الزمان ومضت اﻷيام فرآه أحد هؤلاء الناس الذين كانوا يطوفون معه ورآه حينما كان يطرد الناس وكان أعوانه يضربون الناس ويدفعونه عن الكعبة رآه على جسر في بغداد يتكفف الناس يسأل الناس بعد أن كان ملكا عظيمًا فقال له: ألست أنت الذي قلت وقلت؟ قال: نعم! قال: فماذا حدث؟
قال: تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فأذلني الله في مكان يرتفع فيه الناس!

الله كبير الذات كبير القدر كل شيء بالنسبة له صغير مهما كبر مهما عظم وهذا يوحي إليه قول الله تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)
اﻵن التقنية المعاصرة التكنولوجيا المعاصرة قربت إلينا اﻷمور وقربت إلينا اﻷشياء فأصبحت أقرب إلى اﻷذهان من أي شيء.
المنظار الفلكي المعروف يقرب إلينا أبعد المجرات في هذا الفضاء السحيق في السماء الدنيا فنرى فيه مجرة من مجراته تحتوي على مليارات النجوم لكن تبدو لنا حجمه قطعة مدورة من الجب أو قطعة خردل وهي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية كما يسمونها علماء الفلك فسبحان الكبير.
سبحان الكبير الذي ذل لكبريائه كل شيء.

الكبير سبحانه وتعالى صفة الكبرياء له ﻻ تقتصر على صفات كماله بل تتعدى إلى غيره فلا يجالسه أحد عﻻ و يفيض عليه شيئاً من ذلك الكمال كيف ذلك؟
الذي يتعلم العالم و المتعلم أقرب الناس إلى الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) 
العلم أعظم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى إذا قارنه اﻷخلاص لله .
فكلما كان العبد عالماً بالله تقيا مرشدا للخلق داعياً إلى عبادة الخالق صالح في نفسه قدوة يقتدى به وهبه الله كمال في عقله كمال في علمه كمال في ورعه لذلك قال عيسى عليه السلام:
(من علم وعمل فذلك يدعى عظيماً في  السماء)

و ليكن للعبد حظا من هذا اﻹسم ينبغي أن يكبر الله بقلبه و بوجدانه.
تكبير الله أيها اﻷخوة وهذا أمر معلوم ﻻ يكون فقط بالكلام، تكبير الله تعالى ﻻ يكون فقط باللسان، تكبير الله تعالى من تعظيمه وقد مر علينا  في اسمه العظيم أن من تعظيم الله تعظيم شعائره تعظيم دينه كذلك كيف نكبر الله كيف نعطي ربنا ما حقه من اﻹسم الكبير:
 أن نعظم شرعه أن نكبر الله في قلوبنا أن نعظم شرع الله في قلوبنا أن نستشعر عظمة قدرة الله تعالى عظمة  الملكوت والسلطان.

أيضاً التكبير باللسان هذا مما دعا إليه الله سبحانه وتعالى في ختام اﻷعمال في ختام صيام رمضان الله يقول: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ )
كذلك في الحج التكبيرات التي تكون في أيام العيد و التي تكون في أول أيام العشر ذي الحجة و التي تكون عند رمي الجمرات.
التكبير له مواطن.
مواطن التكبير كثيرة وردت في السنة ، التكبير في الصلاة المكتوبة و النوافل التكبير في صبيحة يوم العيد التكبير عند اﻷضحية يوم النحر التكبير في ساحة الوغى و في الحرب عند مواجهة أعداء الدين.

إذًا التكبير شعيرة من شعائر الدين ينبغي أن يحافظ عليها المؤمن يحافظ عليها المسلم قي كل وقت و كلما كبرت الله و كلما أعطيت حق الله حقه من هذا اﻹسم كلما كنت عند الله كبيراً  وكلما جعلك في قلوب الناس كبيراً وفي أعين الناس كبيراً ﻷنك عظمت الله ﻷنك كبرت الله ﻷنك عظمت شعائر الله ﻷن كبرت حق الله في قلبك ﻷنك تواضعت إلى الخلق ﻷنك تواضعت إلى الحق فذلك كله سبب في أن تكون كبيرًا عند الله سبحانه وتعالى.

الكبر والكبرياء في حق الله عظيم فلا يليق إﻻ به، والكبر والاستكبار في حق المخلوق قبيح يجلب على صاحبه الذل و الهوان والهلاك.
إذا عرف اﻹنسان أن ربه هو الكبير وحده أن كل ما سواه صغير فماذا عليه؟
عليه أن يطيعه عليه أن يأخذ شرعه منهج حياته عليه أن يأخذ دينه منهجا لهذه الحياة دلالة له إلى الجنة إرشادا له إلى ربه سبحانه وتعالى.

الكبير سبحانه وتعالى الذي من كبريائه سبحانه أن كرسيه وسع السماوات والأرض.
الكبير سبحانه وتعالى العبادات الصادرة من أهل سماواته وأهل أرضه كلها المقصود منها تكبيره وتعظيمه وإجلاله لذلك كان التكبير شعار للعبادات الكبار ليس أي عبادات إنما العبادات الكبار كالصلاة كاﻷذان كالحج سبحان الكبير.

إذا علمت أن الله هو الكبير فاعلم أن الله أكبر من همك أكبر من غمك  أكبر من شدتك  أكبر من البلاء الذي نزل عليك أكبر من ذنبك.
الله سبحانه وتعالى مغفرته أكبر و أعظم من كل ذنب. 
الله سبحانه وتعالى فرجه أعظم من كل كرب
الله سبحانه وتعالى نصره أعظم من كل هزيمة و من كل بلاء
الله سبحانه وتعالى يسره أعظم من كل عسر
الله سبحانه وتعالى رحمته أعظم من كل شدة و من كل قسوة من بني آدم
الله سبحانه وتعالى كبير سبحانه.

من علم أن له ربا كبيرًا عظيماً هانت عليه الدنيا هانت عليه مصائبه هانت شدائده هانت عليه ابتلائاته لماذا؟
ﻷنه يعلم أن له ربا كبيرًا يفرج الهم و يغفر الذنب و ينصر الضعيف و يعين المقهور وييسر اﻷمور سبحانه وتعالى العلي الكبير المتعال.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على تعظيمه و تكبيره و عبادته حق عبادته و أن ييسر لنا اﻷمور و يشرح لنا الصدور و يغفر لنا الذنوب و يفرج عنا الهموم و الغموم إنه ولي ذلك و القادر عليه سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على محمد و آله و صحبه أجمعين.
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت استغفرك وأتوب إليك.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها

مراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله