الدرس الخامس عشر في شرح أسماء الله الحسنى. ((الملك المالك المليك))


((الملك المالك المليك)) جلّ جلاله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله الملك الذي بيده ملكوت كل شيء يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و له ملك السماوات والأرض وما بينهما و له العزة و الكبرياء و له القهر و السيطرة المطلقة على هذا الكون العظيم، سبحانه وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديراً ، سبحانه وتعالى له الحمد على ملكه العظيم و له الشكر على عطائه الجزيل، ولك الحمد يالله أنت قيوم السماوات والأرض و من فيهن، ولك الحمد يا الله أنت ملك السماوات والأرض و من فيهن
و لك الحمد يا الله أنت نور السماوات والأرض و من فيهن
و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
نشرح بإذن الله في درسنا هذا اسم الله سبحانه وتعالى: 
((الملك المالك المليك))
و رد هذا اﻹسم الملك سبحانه و ماهو على نفس معناه المالك المليك في عدة آيات في كتاب الله سبحانه وتعالى فقال الله تعالى:
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )
وقال تعالى:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
و قال سبحانه وتعالى:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ،، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)
الملك سبحانه وتعالى الذي له ملك السماوات والأرض و ما فيهن، الملك سبحانه هو نافذ اﻷمر في ملكه كله.

و اسمه الملك أعم من المالك و إن كان من أسمائه المالك أيضاً كما ذكرنا في قوله:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

لكن اسمه الملك أعم من المالك لماذا؟
ﻷن ليس كل مالك ينفذ أمر و تصرفه فيما يملكه لذلك الملك أعم ﻷن الملك يملك كل شيء و هو مالك المالكين كلهم قد يملك اﻹنسان من الدنيا شيء أو أشياء و قد يملك أشياء كثيرة جداً لكن في اﻷخير المالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى ﻷنه يملك عباده و مايملك عباده سبحانه.
و إنما العباد استفادوا هذا الملك و هذا التصرف من جهة المالك حيث هو الذي خلقهم هو الذي ملكهم و يسر لهم و وفقهم و ترك لهم الحرية في أن يتصرفوا في ملكه
طبعاً هذه الحرية محدودة بضوابط .

الحاصل أنه سبحانه وتعالى هو المالك و هو الملك الذي خلق عباده و ملكهم ثم أذن لهم في أن يتصرفوا في هذا الملك سبحانه ملك الملوك مالك الملك مالك الممالك له الملك كله في الدنيا و اﻵخرة له ملك السماوات والأرض و ما فيهن من الملائكة و الملوك و المماليك و سائر مخلوقاته سواءً في العالم العلوي أو السفلي.

الشمس و القمر الليل والنهار الكواكب و النجوم الملائكة و اﻷرواح اﻹنس و الجن و الطير و الحيوان و الجماد و النبات و البحار و اﻷنهار و السهول و التراب و الجبال و الهواء و الرياح كل ذلك هو ملك لله ما أحصيناه و ما لم نستطع إحصائه ما أحصيناه و ما لم يكن إحصائه له ملك السماوات والأرض و ما فيهن وهو على كل شيء قدير سبحانه جل جلاله مالك لجميع المخلوقات، سبحانه يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ﻻ يمانعه أحد و ﻻ يدافعه أحد سبحانه وتعالى ملكه عظيم كبير واسع قدرته في ملكة تامة مطلقة ﻻ يعجزه شيء سبحانه له ملك السماوات والأرض يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير سبحانه الملك الحق القادر الذي ﻻ يثقل عليه شيء هناك ملوك في الدنيا و قد يتملك أحد الخلق ملكا في الدنيا لكن يثقل عليه هذا الملك و يجد من أعباء هذا الملك ما قد يصرفه عن التلذذ بهذا الملك أو عن تحمل هذا الملك لكن الملك سبحانه جل في علاه لا يثقل عليه شيء و ﻻ يعجزه حفظ هذا الملك العظيم و ما يتبعهم  من توابع واسع كبير سبحانه وسع كرسيه السماوات والأرض وﻻ يؤده حفظهما و هو العلي العظيم.

ملك أن يملك كل شيء إذن هو الغني فملكه عن غنى كل شيء بيده كل شيء ملكه و له كل شيء.

الله تبارك وتعالى هو الغني الذي يملك كل شيء و بيده كل شيء الذي عنده خزائن السماوات والأرض ينفق كيف يشاء و يعطي من يشاء و يمنع من يشاء:
(وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ )
و كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إنا نسألك من كل شيء خزائنه بيدك و أعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
فخزائن السماوات والأرض عنده سبحانه وتعالى الذي قال عن نفسه:
(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ )

فمن أراد الدنيا فهي عند الله عند الملك و من أراد اﻵخرة فإنها عند الملك من أراد مافي الدنيا فإنها ملك لله و من أراد مافي اﻵخرة فإنها ملك لله سبحانه وتعالى.
الملك سبحانه يتصرف في ملكه كيف يشاء كل يوم هو في شأن يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك عمن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يخفض أخرين و يفعل ما يشاء سبحانه من تأمل قول الله تعالى الذي سأتلوه بعد قليل ستسكن السكينة قلبه و نفسه ستسكن الراحة قلبه ﻷنه يعلم أن كل شيء بيد الملك العزة بيده و الذلة بيده و الخير بيده و الشر بيده.
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

سبحان الملك سبحان مالك يوم الدين الذي له ذلك الملك العظيم في ذلك اليوم العظيم:
(لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) 
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) 
لمن الملك اليوم؟يحكم الملك الحق في ذلك اليوم بالحكم الذي ﻻ يجور و ﻻ يظلم أحداً مثقال ذرة يجازي المحسن بإحسانه و يجازي المسيء بإساءته!

سبحانه مالك يوم الدين عن عبد الله رضي الله عنه قال : جاء حبر من اﻷحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يامحمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع و الأرضين على إصبع و الشجر على إصبع و الماء و الثرى على إصبع و سائر الخلق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم جتى بدت نواذجه-لماذا ضحك؟-كما جاء في الحديث تصديق لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ )
سبحان الملك سبحانه من كمال ملكه كمال رحمته، من كمال ملكه كمال قدرته كما قال عن نفسه:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،، الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ،، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )
و من رحمته للخلق أنه مالك يوم الدين
ما وجه الرحمة في أنه مالك يوم الدين و مالك يوم القيامة أين وجه الرحمة في ذلك؟
ﻷنه هو الذي سيحاسب و حسابه للخلائق حساب عدل و إحسان حساب عفو و تسامح حساب مغفرة و ستر حساب ﻻ يظلم فيه و ﻻ يجور سبحانه:
(الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )

صفة الملك تستلزم سائر صفات الكمال فالملك الحقيقي التام تستلزم الحياة المطلقة و القدرة التامة و العلم الشامل و اﻹرادة النافذة و يستلزم السمع و البصر و الكمال و الفعل و غير ذلك من صفات الكمال و الجمال.

فالله سبحانه الملك إذاً هو القوي هو الملك القادر هو الملك القاهر هو الملك الذي يدبر اﻷمر يصرف اﻷحوال يقلب الليل والنهار و ﻷنه الملك فهو يفعل ما يشاء ﻻ راد لقضائه و ﻻ معقب لحكمه ﻷنه الملك فإنه عظيم ﻷنه الملك فإنه حكيم سبحانه يأنر و ينهى يثيب و يعاقب يعطي و يمنع يعز و يذل و يكرم و يهيين و ينتقم و ينعم و يخفض و يرفع و يحيي و يميت.

ﻷنه الملك فهو يرسل الرسل و ينزل الكتب و يحكم و يأمر و يقدم و يؤخر و يقبض و يبسط و يغفر و يعذب:
 ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)

فله الحمد على ملكه العظيم و له الحمد على فضله العظيم و له الحمد على رحمته الواسعة له الحمد على أنه الملك له الحمد ﻷنه ملك ينعم و يسبغ النعم:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
كمال ملكه سبحانه ﻻ بد أن يكون مقرونا بكمال حمده و عموم حمده يستلزم أن ﻻ يكون في خلقه و أمره ما لا حكمة فيه فكل خلق يخلقه و كل أمر يأمر به لحكمة بالغة فهو سبحانه أحكم الحاكمين و أرحم الراحمين و أحسن الخالقين سبحانه.

الطاعة المطلقة يجب أن تكون وحده ﻻ شريك له ﻷن له الملك الطلق فيجب أن تكون الطاعة له وحده ﻷن كل ما سواه من ملوك اﻷرض فإنما هم عبيد له و تحت أمره و تحت قهره فلا بد من تقديم طاعة ملك الملوك الحق على طاعة من سواه و إن كانوا ملوكا فلا يطاع إﻻ في طاعة الله تعالى فيقدم حكمه على حكم غيره و طاعته على طاعة غيره و ﻻ طاعة ﻷحد من المخلوقين مهما علا ملكه و مهما وصل في ملكه إﻻ في حدود طاعة الله سبحانه أما في معصية الله فلا سمع له و ﻻ طاعة كائن من كان من الناس ملكا كان أو وزيرا أو أميراً أو حتى أقرب أولياء اﻷمر للإنسان أمه أبوه المرأة زوجها أو غيره فلا طاعة ﻷي أحد من الناس اه سلطة أو مكانة أو ملك ﻻ طاعة له إﻻ في طاعة الله سبحانه وتعالى.
المخلوقات كلها مملوكة لله محتاجة إلى الله لا تملك من السماوات والأرض شيئاً مهما توسع الملك مهما ملك ابن آدم مهما اتسع ملكه فملكه ناقص من كل الوجوه و ﻻ يوجد ملك كامل على اﻹطلاق إﻻ ملك الملك مالك الملك ملك الملوك سبحانه.

فكل المخلوقات مملوكة له و كل المخلوقات محتاجة إليه ﻻ تملك من السماوات والأرض شيئاً و ﻻ مثقال ذرة و ﻻ تنفع أحد و ﻻ تضره إﻻ بإذنه سبحانه:
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )

اعلم أنه لن ينفعك إلا الله و لن يضرك إﻻ الله.

و قد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الغلام ابن العباس و اعلم أن اﻷمة لو اجتمعواعلى أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إﻻ يشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إﻻ بشيء قد كتبه الله عليك رفعت اﻷقلام و جفت الصحف.
الخير و الشر بيد الله و من الناس من يطغى و يظن أنه المالك الحقيقي و ينسى أنه فقط مستخلف فيما آتاه الله.
قد استخلفه الله في ملكه و في ماله و في جاه و سلطان لكن تجده يتكبر و يتجبر و يظلم الناس بغير الحق و يفسد في اﻷرض من الذي ملكك و من الذي أعطاك؟ من الذي آتاك  من الذي أنعم عليك؟
إنه الله!

و لننظر إلى فرعون حينما أخذته العزة و ظن أنه هو الرب هو الملك فقال كما قال الله عنه في كتابه:
(وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
ثم وصل به الجبروت و التكبر بأن يقول(انا ربكم...)
فلما جنى هذه الجناية العظيمة لدرجة أنه ادعى الربوبية و كفر بربه سبحانه وتعالى و دعا قومه إلى هذه الضلالة الكبرى لم يكتفي يأن يدعي الرب بل دعا قومه لهذه الضلالة الكبرى ثم استجابوا له هؤلاء المستغفلين فماذا كانت العاقبة؟

أن أغرقهم الله سبحانه وتعالى جميعاً:
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ،، فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ،، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ) 
إغراق الله لفرعون و قومه عبرة لكل ظالم و متكبر في اﻷرض.

تفرعن و تجبر على الناس بما آتاه الله  وظن أنه مخلد و نسي أن ملكه زائل و أن إقامته في هذا الملك إنما هي إقامة مؤقتة(إنك ربك لبامرصاد)لكل طاغية لكل متجبر لكل متكبر فسبحان ذو الجبروت و الملكوت و الكبرياء و العظمة.

الله تعالى هو الملك الحق هو الذي يكون له اﻷمر و النهي يتصرف في خلقه كيف يشاء فمن ظن أن الله عز وجل خلق خلقه عبثاً لم يأمرهم و لم ينههم فقد طعن في ملك الله و لم يقدر الله حق قدره:
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) 
فكل من جحد شرع الله و أمره و نهيه و جعل الخلق بمنزلة اﻷنعام فقد طعن في ملك الله و لم يقدر الله تعالى حق قدره.

كيف يظن أن مالك الملك ملك الملوك خلق عباده عبثاً و تركهم سدى ﻻ يأمرهم و ﻻ ينهاهم و ﻻ يثيبهم و ﻻ يعاقبهم.
ملك الدنيا الذي يكون من البشر لشعوره أنه ملك و يملك من اﻷملاك و من البلدان و من اﻷرض و من البشر الذين يرعاهم و يكونون تحت حكمه و سطوته فإنه يأمرهم و ينهاهم و يثيبهم و يعاقبهم في الحدود البشري فكيف بمالك الملك كيف يتصور أن مالك سبحانه ملك الملوك يخلق الناس و يخلق البشر و ﻻ يأمرهم و ﻻ ينهاهم و ﻻ يثيبهم و ﻻ يعاقبهم:
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ )

سبحانه وتعالى ملكه دائر بين العدل والإحسان و الحكمة و المصلحة و المغفرة و الرحمة ﻻ يخرج ذلك عن تصرفه أبداً سبحانه وتعالى.
سبحانه وتعالى أعطى آل إبراهيم الملك و النبوة و الكتاب و آتى فرعون الملك و السيادة فكان اﻹبتلاء للأثنين؛ ابتلاء لآل إبراهيم بالملك و النبوة و الكتاب و فرعون كذلك ابتلاه بالملك و السيادة كيف تعامل كل منهما مع هذا الابتلاء.

ابتلي إبراهيم ففاز و ابتلي فرعون فخاب و خسر سبحان الله العظيم.
حينما تعلم أنك ملك لله و أن الله تعالى هو الملك الذي يتصرف فيك و في ملكه كيف يشاء فعليك أن تعلم و أن توقن و أن ترتاح ﻷقدار الله و تعلم و توقن أن الملك الذي له الكمال المطلق في ملكه سبحانه وتعالى واسع الملك ﻻ يقدر لك إﻻ خير و تصرفه فيك هو الخير كله و هذا يقودنا إلى أن ﻻ نتضرع إﻻ إلى الله ﻷنه الملك و ﻻ نتوكل إﻻ على الله و ﻻ نرفع حاجاتنا إلا إليه سبحانه.

نرفع إليه حاجتنا بالسؤال بالدعاء بالاستعاذة ﻷن كل من في اﻷرض و ما يملكونه ملك لله حتى لو كنت تطمع في شيء في يد أحد أو تطمع في مال عند أحد أو تطمع في مكانة أو منزلة أو علم أو دين أو دنيا أي شيء كله في ملك الله فلا تطلبه إلا من الله و ﻻ تسأله إﻻ من الله.

المؤمن إن علم أن ربه هو المالك الذي له الكمال المطلق اطمأن قلبه إلى الله ﻷنه سبحانه بيده ملكوت كل شيء.
المؤمن إذا علم أن الله مالك خزائن السماوات والأرض فإنه ﻻ يسأل حاجته إلا من الله إﻻ ممن عنده تلك الخزائن.

وﻷن الله هو الملك و إذا تيقنت أن الله هو الملك فلا ينبغي الاحتكام إﻻ إليه ﻷن الملك عنده و ملكه هو الملك الحقيقي و هو الحاكم الحق فالحكم له وحده و هذا شعار المؤمنين:
(إن الحكم إﻻ لله)
و ﻻ يجوز أن يحتكم العباد إلى شرع غير شرع الله و الاحتكام إلى جميع القوانين الوضعية و ترك الشريعة الغراء مناقض تمام المناقضة للإيمان و اﻹستسلام لله فو الله ما أصاب المسلمين في هذا العصر من ذل و هوان و غلاء و تسلط اﻷعداء و محق البركة كل ذلك و الله ﻻ يعود إﻻ إلى ترك التحاكم بشرع الملك سبحانه.
و حين حصل اللجوء إلى قوانين بشرية قائمة على الهوى و التخرص و ﻷن النخب الحاكمة تضع القوانين على مقاسها.... و بامتيازات و تستعبد الشعوب فمحقت الخيرات و نزل بالمسلمين الذل و الهوان.

فحق لمن علم أن الله هو الملك على الحقيقة أن يحكم شرع الله في نفسه أولاً ثم في من تحت يديه.
يبدأ بنفسه ثم بأبناءه ثم فيمن يرعاهم ثم تتسع هذه الدائرة بحسب مكانة هذا اﻹنسان في مجتمعه.

من أثار هذا الإسم العظيم:
إذا علم العبد أن الله له الملك على الحقيقة عليه أن يتواضع لعظمة الله و ملكوته عليه أن يتواضع لله  أن يتواضع لعباد الله.
أن يعلم أن التعظيم فقط لله ليس للمخلوقين.
من أنت حتى تتكبر؟
ماذا تملك من الدنيا حتى تتكبر؟
و إن ملكت من الدنيا فو الله ملكك ناقص على قدر ما تملك من الدنيا و لو ملكت الدنيا بما فيها أﻻ تعلم أن أخر أهل الجنة خروجا من النار ثم دخولا إلى الجنة من يقول له الله سبحانه وتعالى أﻻ ترضى أن يكون لك مثل الدنيا و مثلها معها عشر مرات ماذا بعني؟
يعني أن الدنيا ﻻ تساوي شيء بكل ما فيها فما بالك و أنت تمتلك جانب بسيط من هذه الدنيا مهما ملكت ماذا ستملك؟ لن تملك الدنيا بكل ما فيها إنما ستملك جزء أو جزء من جزء الدنيا.
إذاً على العبد أن يتواضع لله مهما ملك و مهما وصل و مهما علا.
و الملك أنواع:
ملك مال
ملك حسب
ملك نسب
ملك علم
فمهما تملك من أي نوع من اﻷرزاق و النعم فتواضع لله و تواضع لعباد الله و اشكر الله على النعمة و اثني على ربك و قم بين يديه منكسرا متضرعا متذللا لعظمته و لكبريائه و لملكه سبحانه وتعالى تبارك الله رب العالمين.

هذا و الله أعلم
و أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمتن علينا بكل خير هو يملكه سبحانه وتعالى
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك و نعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك.
اللهم لك أسلمنا و بك آمنا و عليك توكلنا و إليك أنبنا و بك خاصمنا و إليك حاكمنا فاغفر لنا ما قدمنا و ما أخرنا و ما أسررنا و ما أعلنا أنت المقدم و أنت المؤخر لا إله إلا أنت ﻻ إله غيرك.
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك و أتوب إليك و صلى الله وسلم على محمد و آله و صحبه أجمعين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها


إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله