الدرس الرابع عشر من شرح أسماء الله الحسنى (اسم الله العليم العالم علام الغيوب)

(اسم الله العليم العالم علام الغيوب)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷنيياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أفضل الصلاة و أتم التسليم.
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
و أصلي و أسلم و أبارك على حبيبي و قرة عيني محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً و بعد:

نشرح بإذن الله تعالى في درسنا اليوم اسمه سبحانه وتعالى: (العليم العالم علام الغيوب)
ورد هذا الاسم في عدة آيات في كتاب الله سبحانه وتعالى منها في سورة الزخرف حيث قال سبحانه وتعالى عن نفسه:
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)
و قال سبحانه:
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)
و قال سبحانه:
( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)

سبحانه العليم ما أعظمه و ما أعظم علمه
سبحانه وتعالى العليم الذي يعلم كل شيء و ﻻ يخفى عليه شيء، أحاط بكل شيء علماً أحاط بالعالم العلوي و العالم السفلي.
يعلم سبحانه الظواهر و يعلم البواطن و يعلم الجهر و ما يخفى سبحانه.

العليم سبحانه الذي يعلم السرائر يعلم الخفيات التي ﻻ يدركها الخلق يعلم سبحانه الغيب الذي يخفى على جميع خلقه سبحانه وتعالى.

العليم سبحانه يعلم جميع ما في الكون يعلم الغيب و الشهادة فلا يخفى عليه شيء:
(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ،،عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال،، سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ )

سبحانه عالم عليم علام.
عالم بما يكون و ما يكون قبل أن يكون و إن كان كيف سيكون سبحانه لم يزال عالما و لا يزال عالماً بكل شيء ﻻ تخفى عليه خافية في اﻷرض و ﻻ في السماء.

عليم سبحانه الذي له وحده العلم التام الشامل ككا قال سبحانه عن نفسه:
 ( إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) سبحانه ﻻ تخفى عليه اﻷفعال وﻻ الحركات وﻻ السكنات و كل اﻷحوال يعلم مثاقيل الجبال و مكاييل البحار يعلم عدد ورق اﻷشجار و عدد قطر اﻷمطار و عدد ذرات الرمال يعلم مقادير الحبوب و الثمار.
 وما أظلم عليه الليل و ما أشرق عليه النهار سبحانه
لا تواري منه سماء سماء و لا أرض أرضًا...
وﻻ بحر ما في قعره قال عن نفسه: 
(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

سبحانه من خصائص علمه أنه محيط بكل شيء ﻻ يخفى عليه شيء يعلم عدد أهل السماء و عدد أهل اﻷرض يعلم عدد الملائكة و الروح و عدد اﻹنس و الجن و عدد الطير و الحيوان يعلم عدد ذرات التراب و عدد النبات و عدد اﻷشجار عدد الحبوب الثمار و الحروف و الكلمات سبحانه يعلم عدد المؤمنين عدد الكافرين عدد العاصين عدد المنافقين عدد البارين عدد الفجرة و الكافرين عدد الصادقين عدد الكاذبين سبحانه يعلم أهل الجنة وأهل النار يعلم المفسد من المصلح يعلم سبحانه من يستحق الهدى فيهديه و من يستحق الضلالة فيضله يعلم من يستحق اﻹكرام فيكرمه ولكن بما يكرمه؟ يكرمه بطاعته يكرمه بجنته.

فاﻹكرام هو اﻹكرام بطاعة الله و الكريم من كان في طاعة الله و الكريم من كانت نهايته رضا الله و جنة عرضها السموات والأرض، يعلم سبحانه من يستحق اﻹهانة فيهينه يعلم سبحانه الظاهر و الباطن:
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
سبحانه علم مطلق:
 ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)

الخلق مهما وصل فلن يحيطوا علما بالخالق سبحانه و ﻻ يمكن أن يعلمون شيئاً عن ذاته سبحانه و ﻻ عن أسمائه و ﻻ عن صفاته و ﻻ عن أفعاله إﻻ ما أطلعه سبحانه عليه عن طريق الرسل والكتب و ﻻ أحد من الخلق يعلم شيئاً من العلم إﻻ بتعليم الله حتى العلم الذي نتعلمه في الدنيا سواءً كان علما شرعياً أو علما دنيويا فلا يكون هذا العلم إﻻ بتعليم الله لنا و لهذا قالت الملائكة لله سبحانه كما قال سبحانه في سورة البقرة:
( قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

و قال سبحانه:
(وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم.

سبحانه علمه كامل ﻻ يعتريه نقص أبداً و ﻻ يحده شيء واسع شامل محيط بجميع المخلوقات في اﻷرض و السماء و ﻻ يعزب عنه مثقال ذرة سبحانه وتعالى بكل خلق عليم ﻻ يشغله علم عن علم و ﻻ يشغله سمع عن سمع سبحانه وتعالى.

البشر يولدون جهلة لا يعلمون شيئاً ثم يتعلمون شيئاً فشيئاً كما قال سبحانه وتعالى عن ذلك في كتابه:
( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
و جميع المعلومات التي علمها الله بني آدم لو أعطيت لشخص كل المعلومات التي علمها الله بني آدم ثم كان البشر كلهم على مثل علم ذلك الشخص لكان هذا العلم كله كذرة بالنسبة لعلم الله سبحانه الواسع الشامل.

( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)
انظر لأعظم البشر علما مهما وصل علمه و لو أخذ هذا العلم الذي معه فوزع على كل واحد من البشر ما ساوى ذلك العلم ذرة بالنسبة لعلم الله سبحانه وتعالى.
و حتى هذا العلم و هؤلاء الخلق الذين يعلمهم الله فهم ﻻ يعلمون شيئاً إﻻ ما أذن الله لهم أن يعلموه و هو وحده سبحانه له الكمال المطلق و العلم المطلق.

وهب سبحانه المعرفة للإنسان منذ سبحانه أن أراد إسناد الخلافة إلى ذلك اﻹنسان في اﻷرض علمه اﻷسماء كلها و وعده سبحانه بأن يريه آياته في اﻵفاق و في اﻷنفس و كل ما يلزم له من خلافة اﻷرض:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)

سبحانه حكيم عليم فبقدر ما أذن الله للإنسان في شيء من العلم و كشفه له و أطلعه عليه بقدر ما زوى عنه أبوابا كثيرة من العلم و أسرارا كثيرة من العلم لحاجة له بها حتى و إن استخلفه في اﻷرض فهناك من العلم ما أخفاه الله عن هذا اﻹنسان ﻷن هذا العلم قد ﻻ يكون له حاجة في خلافة اﻷرض.

زوى عنه سر الحياة سر الموت سر الروح سر العقل سر الساعة سر اللحظة القادمة و ما سيكون في اللحظة القادمة و في اليوم القادم بل ليس اليوم القادم اللحظة القادمة التي ستأتي نحن نجهلها و ماذا فيها و ﻻ نعلم عنها شيئاً يجهل سر الخلق هذا اﻹنسان و كل ذلك غيب ﻻ سبيل إليه ﻻ يستطيع اﻹنسان رفعه أو كشفه لكن من الذي يعلمه الله الذي ﻻ إله إلا هو أحاط بكل شيء علما سبحانه.

خمس معلومات و أسرار ﻻ يعلمها إﻻ هو سبحانه:
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
هذه هي مفاتح الغيب الخمسة ﻻ يعلمها إﻻ الله سبحانه وتعالى.

سبحانه له الهيمنة التامة والعلم الشامل اللطيف، علمه لطيف يعلم أخفى اﻷشياء:
(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

ففي كل لحظة يلج في اﻷرض بأمر الله ومشيئته ماﻻ عتاد له و ﻻ حصر له من شتى أنواع اﻷحياء و الحبوب و اﻷشياء ﻻ يعلم ذلك إلا الله و في لحظة واحدة يخرج من اﻷرض مالا عتاد له و ﻻ حصر من خلائق ﻻ يعلمها إلا الله نبات أشجار حيوان معادن مياة غاز أي شيء يخرج من اﻷرض في لحظة واحدة كل ذلك ﻻ يعلمه إﻻ العليم سبحانه.

في لحظة واحدة ينزل من السماء اﻷمطار واﻷشعة و الملائكة و اﻷقدار و اﻷسرار و اﻷوامر في لحظة واحدة نحن ﻻ نعلم كل ذلك و ﻻ نحيط من ذلك و ﻻ ذرة من ذلك ﻻ يعلمه إﻻ الله وحده سبحانه وتعالى محيط بكل أحد مع كل أحد مطلع على ما يعمل الخلق بصير بالعباد ﻻ يخفى عليه شيء من أمر:
(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

هذه اﻵية فيها حقيقة؛ الحقيقة هذه من علم الله مؤنسة من جانب و مذهلة مرهبة مخوفة من جانب آخر.
فهي مذهلة و مرهبة بشدة قرب الله منك و علمه بك بحيث أنه ﻻ تفعل شيء أنت أيها اﻹنسان إﻻ و يعلمه سبحانه وتعالى فهذا من المفترض أن يولد عندك الخشية و الخوف من الله ﻷنه مطلع على عملك مطلع على حسناتك على سيئاتك مطلع على سريرتك فهذا أمر من المفترض أن يكون مخوف لنا كيف أن الله مطلع على أدق اﻷمور عندنا و على سرائرنا فعلينا أن نخشى الله أن نخافه أن نحذره و يحذركم الله نفسه.

و من جهة أخرى هذه الحقيقة في هذه اﻵية أنها مؤنسة من جانب أنها تدخل على قلبك اﻷنس بضلال القربى ،قرب الله منك فهي كفيلة حين يحس بها القلب البشري على حقيقته أن يستأنس بها أن يترفع أن يسكن أن ترتاح النفس تن تسكن أن تقر العين ﻷن الله يعلم ما بي من آلم يعلم ما بي من مرض يعلم ما بي من حزن يعلم ما بي من شدة و بلاء فهو الذي سبحانه وتعالى يرفع عني و يتولاني و يغشاني برحمته و ينزل علي فرجه و يذهب عني ما أنا فيه لعلمه بي فالبشر مهما علموا عنك من شدة من بلاء من ألم فلن يستطيعوا كشف شيء عنك.
إذاً علمهم ﻻ ينفعك
علم البشر بما أنت فيه من شدة من فاقة من فقر من بلاء من كرب من هم من ألم ﻻ ينفعك أبداً ﻷنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أو يأخروا في أمرك، أما العليم سبحانه فعلمه بك علمه بما أنت فيه من شدة و بلاء و ألم و حزن علمه بما أنت فيه من معصية و طاعة كل هذا نافع لك ﻹنه إذا علم شدتك  و ألمك و حزنك و فرحك فهو القادر سبحانه وتعالى على أن يغير حالك إلى أحسن حال.

إن علم معصيتك فهو الذي يقدر على أن يستر عليك على أن يغفر لك على أن يقربك منه بل لربما يبتليك و يشدد عليك حتى يقربك و يطهرك من هذه المعصية.

فعلم الله سبحانه وتعالى على كل حال يجب أن يكون سبباً في ترفعنا و تطهرنا من أدناس سوء الظن و المعاصي و الذنوب فمتى تؤب هذه النفس الشاردة إلى ربها و متى تفر نفوسنا إليه سبحانه وتعالى و متى نستحيي منه و متى نوقره و متى نعظمه و الله إن هذه النفس تقف عارية في كل لحظة أمام باريها الذي يعلم ما بين يديها و ما خلفها يعلم سرها يعلم جهرها يعلم ما يحيط بها من ماض و من آت يعلم ما ﻻ تعلمه تلك النفس عن نفسها و ﻻ تدري فما أجدر بك أيها اﻹنسان أن تقف عاريا بكل مافي سريرتك أمام الملك الديان الذي نتقلب في نعمه ليل نهار يتقرب إلينا بالنعم و نتبغض إليه بالمعاصي نبارزه في المعصية في أرضه بلا حياؤ و ﻻ خوف فما أجدر بنا أن نتوب إليه سبحانه الذي خلقنا و صورنا و أكرمنا و أنعم علينا و ما أحراه هذا العبد أن يستسلم لمن يعلم ظاهره و يعلم باطنه و سره و علانيته:
 (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

الله سبحانه وتعالى يعلم ما في نفوس العالمين يعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين يعلم سبحانه أين يجعل رسالته حيث يجعل رسالته أعلم بما يكتم الناس أعلم بمن في السماوات و بمن في اﻷرض و من هو أهدى سبيلاً أعلم بأقوال العباد و اﻷفعال أعلم بأنفاسهم و كلامهم و سرهم و علانيتهم سبحانه وتعالى.

سبحانه شاكر عليم، عليم حكيم، عزيز عليم عليم حليم عليم قدير، عليم خبير كل هذه اﻷسماء وردت في كتابه مقترنة باسمه العليم الشاكر السميع الحكيم العزيز الحليم القدير الخبير كلها وردت مقترنة باسمه العليم سبحانه ما أعظم ذاته ما أعظم أسمائه ما أعظم صفاته ما أوسع علمه سبحانه وتعالى.

إذا علم العبد أنه عليم فعليه أن يكون له حظ من هذا الإسم و أن يكون لهذا اﻹسم أثر عليه و على حياته و على قلبه و على تصرفاته .

و من تلك اﻵثار التي يجب أن تظهر على هذا العبد:
خوفه من الله سبحانه وتعالى، ﻷنه إذا علم أن الله يعلم كل شيء و هو عالم بكل شيء علام بكل شيء سبحانه وتعالى يعلم سر هذا العبد و علانيته يعلم نيته و أعماله يعلم ما يخفيه فهذا يجب أن يولد عند العبد الخوف منه سبحانه وتعالى 
كذلك من أثار هذا الإسم على العبد: الحياء من الله 
هذا العبد و هذا اﻹنسان يعصي ربه في السر يتهيأ له أنه ﻻ أحد يراه و هو يعلم و موقن أن الله تعالى يراه
قد يغلق بابه عليه قد يرخي الستار قد يغلق اﻷنوار لكن الله تعالى يعلم كل ذلك.
فإن علم العبد أن ربه  عليم بأدق تفاصيله فعليه أن يستحي من الله حق الحياء عليه أن يستحي أن ينظر الله إليه و هو يعصيه و هو يبارزه بالمعصية أن يجعله أهون الناظرين إليه نعوذ بالله  من الخذلان.

و إذا خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت
و لكن قل علي رقيب

من أثار هذا الإسم أن العبد إذا علم أن الله عليم به بهمه بألمه بشدته ولد ذلك عنده راحة قلبية و سكينة نفسية و صدق لجوء و حسن توكل و حسن ظن بالله.
يالله أنت تعلم ما بي أنت تعلم سري و علانيتيِ أنت تعلم مابي من بلاء أنت تعلم ما بي من شدة أنت تعلم ما بي مرض أنت تعلم ما بي من دين أنت تعلم ما بي ففرج عني ياعليم.

يا من تعلم سري و علانيتيِ أصلح سريرتي أصلح علانيتي أصلح نيتي أصلح أحوالي هكذا يكون حال العبد و مقاله و  توجه إلى الله في جميع أحواله بجوارحه بقلبه بنفسه.
أيضاً من حظ هذا العبد من هذا الإسم أن يحرص على أن يتعلم و أن يستكثر من العلم و أن يكون له حظ عظيم من هذا العلم أو من هذا اﻹسم.

العلم من أشرف ما يطلب و من أحسن ما يطلب و لم يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يستزيد من شيء كما أمره أن يستزيد من العلم:
(و قل ربي زدني علماً)

شرف العلم من شرف المعلوم و في هذا السياق أيها اﻷخوة يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
"وشرف العبد بسبب العلم من حيث أنه من صفات الله و لكن العلم اﻷشرف ما معلومه أشرف و أشرف المعلومات هو الله تعالى"

فلذلك كانت معرفة الله من أفضل المعارف بل معرفة سائر اﻷشياء أيضاً إنما تشرف ﻷنه معرفة ﻷفعال الله سبحانه وتعالى أو معرفة للطريق التي تقرب العبد لله سبحانه وتعالى أو اﻷمر الذي يسهل به الوصول إلى معرفة الله سبحانه و القرب منه  وكل معرفة خارجة من ذلك فليس فيها كثير شرف.

الحمد لله الذي علمنا عن نفسه و عن أسمائه و عن صفاته  و هذا من أشرف العلوم.
و أنت تستمع اﻵن إلى هذا الكلام إلى هذا الدرس إلى بعض وصف من صفات الجليل العظيم  سبحانه فأنت تتعلم أشرف العلوم و أحسن العلوم و ﻻ يضاهي هذا العلم علماً أبداً ﻷن هذا العلم من أسماء الله وصفاته متعلق بأشرف معلوم بالله جل جلاله و عظم سلطانه.

من حظ العبد من هذا اﻹسم أن يتواضع لله في سؤاله فإن رزقه الله من العلم فلا يفتخر بعلمه و ليعلم أن هذا العلم الذي معه إنما أوتيه من العليم سبحانه ليس من نفسه ماوفق إليه هكذا إﻻ من العليم.

كل ما تتعلمه أنت من علم إنما هو من العليم سبحانه فلما تترفع على الخلق و لما تفتخر على الخلق و مع هذا العلم الذي أتاك الله إياه مهما وصلت فأنت لن تؤتى من العلم إلا القليل و مهما وصل البشر كلهم ﻹنجازات عظيمة و هائلة و تقنيات و علوم فإن هذه العلوم كلها ﻻ تقدر و لا حتى توضع في الميزان مع علم الله سبحانه وتعالى فلما الفخر لي أولك أو لمن تعلم أو وصل و نال شهادات عليا و نال ألقاب علمية و نال و نال إنما كل هذا بفضل الله فلماذا نترفع و لماذا نفتخر و نتفاخر إنما العالم الحقيقي و صاحب العلم كلما ازداد علما ازداد تواضعا ازداد خشية ازداد حياء من الله سبحانه وتعالى و شكراً و اعترافا بالنعمة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمني و إياكم ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا و زدنا علماً اللهم يا عليم إنا نعوذ بك من علم ﻻ ينفع و من قلب ﻻ يخشع من دعاء ﻻ يسمع و من نفس ﻻ تشبع.
هذا و الله أعلم فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان و الله و رسوله بريئان مما أقول و صلى الله و سلم و بارك على محمد و على آله وصحبه أجمعين 
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين 
و الحمد لله رب العالمين.

تفريغ طالبة علم
نفع الله بها وأحسن إليها وجعل هذا العمل في موازين حسناتها


إلقاء ومراجعة: الأستاذة سوزان المشهراوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفريغ الدرس السادس من شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (الحق) جلّ جلاله

الدرس السابع و العشرون من شرح أسماء الله الحسنى ا سم الله: (الحفيظ) جل جلاله

الدرس العاشر من دروس شرح أسماء الله الحسنى اسم الله (اللطيف) جل جلاله